2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

أثار إطلاق وزير العدل محمد بنعبد القادر لخدمة رقمية جديدة تهمّ قطاع العدالة، جملة أسئلة بخصوص المدى الذي بلغته الإدارة العمومية المغربية في عملية رقمنة معطياتها، رغبة منها في اختزال المساطر الإدارية التي تُعطل حركية العلاقة بين الإدارة والمواطن ، ومواكبة التطور التكنولوجي في مجال تنظيم وأرشفة السجلات من جهة، والقفز على كل المعوقات التي تخلخل هذه العلاقة، خاصة منها انتشار وباء “كوفيد 19″، الذي عطّل تجاوب الدولة مع المواطن عبر الطرق التقليدية المعهودة من جهة ثانية.
يقول محمد بن عبد القادر، “إن هذه المنظومة الر قمية الرائدة، هي جزء من الجهود المستمرة لتنفيذ أحكام الإصلاح الشامل والعميق للإدارة بالمغرب، وسياسة الدولة وشركائها في مجال تطويرها بأحدث النظم المعلوماتية”، وهو ذات التحدي الذي تخوضه إلى جانب النظام القضائي، قطاعات عمومية أخرى بفعاليات متفاوتة، حقق بعضها نجاحات محمودة في هذا الصدد، فيما تأثر البعض الآخر بجملة عوائق تقنية يُكافح بحماس لرفع التحدي بخصوصها،
يسهم التوجه إلى رقمنة الخدمات في مساعدة الحكومة على تلبية توقعات الجمهور وإبداء المرونة والكفاءة، ودون شك أنها مهمة معقدة، ولكنها تكفل التحرك بوتيرة أسرع وبموارد محدودة في حال الالتزام بتطبيق أسلوب صحيح ومجرّب، حيث بات توافر الخدمات العامة الرقمية ضرورة مُلحة بعد أن أسهم القطاع الخاص في الارتقاء بمستوى تجربة العملاء، وأصبح من الضروري إلحاق القطاع العمومي بهذا الركب بمواكبته للتطور، غير أن هذه المسألة ترتبط في كثير من الأحيان بحجم ثقة المواطن في إدارته، فقد قطع القطاع الخاص شوطاً كبيرا في تعزيز هذه الثقة منذ سنوات، ممهداً لهذه التجربة بعدد من الإنجازات المُرضية للزبون، مثلما كان الشأن بخصوص التعليم مثلاً، أو عمليات التسوق الرقمية عبر الانترنيت، والتي تدرّج المغرب على لائحتها عالميا حتى بلوغه المركز 95 سنة 2020، بقيمة معاملات بلغت 319 مليون دولار، مستفيداً من ظروف الحجر الصحي التي منعت المواطنين من التنقل بغرض التبضع.
كما سيُفيد التحول الرقمي القطاع العمومي باستحداث فرص عمل جديدة في شتى القطاعات، والاعتماد بشكل أكثر على الطاقات الشابة المكونة معلوماتيا، ما من شأنه مد جسور التقارب بشكل أكثر سلاسة بين هذه القطاعات وقطاعات مماثلة بدول أجنبية، خاصة في المجالات ذات الصلة بالاستثمارات الأجنبية وجالياتنا بالخارج وغيرهما، حيث سيتجه المغرب، حسب تقرير لمعهد “ماكينزي” الأمريكي، أعقب مشاركته في ندوة لـ “جمعية مدبري ومكوني الموارد البشرية” بالمغرب بداية 2020، إلى “إحداث 120 ألف فرصة عمل في القطاعات الخاصة والعامة التي ستمضي في مسلسل الرقمنة”، ومؤكداً ” بأن نصف فرص العمل الحالية بالمغرب مرشحة للرقمنة، حيث ستشمل بشكل أكثر كثافة قطاعات الصناعة، والمعادن والنقل والمعلوميات، لتهمّ بدرجة أقل، لكن بشكل يسير نحو التطور السريع، الإدارة العمومية والصحة والتربية والتعليم والفن والترفيه”.
وعلى غرار القطاع الخاص، ستسهم رقمنة الدولة لقطاعاتها في التأسيس لثقة مشتركة بينها وبين المواطن، كون هذه الثقة تُساعد على تجاوز العقبات والعثرات، وفي خفض تكاليف المعاملات والمرونة والقدرة على تحقيق التراكم الرأسمالي في ظل حالات عدم اليقين والكفاءة والفاعلية لرأس المال البشري، وهي بذلك تشكل المبادئ الإرشادية لكيفية تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية، وبالمقابل، فإن ضعف الثقة يؤدي إلى إثارة الشكوك حول جدوى وأهداف السياسات والإجراءات الحكومية، ما يحُول دون تعاون المواطن مع الحكومة في ممارسة دوره في الرقابة الشعبية لتصويب السياسات، أو يعوق التزامه بالقوانين والتشريعات.