2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

محمود الضعزيز
تعتبر المشاركة السياسية من بين العوامل المؤثرة لتحديد مؤشر الديمقراطية في كل بلد إلى جانب مؤشرات أخرى كالعملية الانتخابية و الأداء الحكومي و الحريات العامة .
و قد اختلفت التعاريف المتعلقة بهذا المفهوم غير أنه يمكن القول أن المشاركة السياسية نعني بها بكل بساطة مساهمة المواطن في القرار العمومي ، أي مدى تأثيره على صنع القرار الحكومي بمختلف الأشكال المنظمة أو غير المنظمة .
و من المفروض أن يكون الشباب في طليعة من يهتم بالقضايا السياسية و أن يكون فاعلا في الحياة السياسية لعدة اعتبارات ، فلا يوجد بناء ديمقراطي دون مشاركة واسعة للشباب في العملية الانتخابية كما أن المساهمة في تغيير الأوضاع في عالم يتقدم بسرعة يحتاج دائما لطاقة الشباب و قدرتهم على التكيف مع المستجدات .
و للمشاركة السياسية عدة مراحل بداية من الإهتمام بالقضايا العامة على فترات مختلفة و متقطعة قبل التعرف على الوجوه السياسية محليا و وطنيا ، بعد ذلك تكون المشاركة عبر التصويت السياسي و المشاركة في الحملات الانتخابية ، غير أن اوج هذه المراحل يتمثل في الإنخراط في المؤسسات الرسمية و الاتصال المباشر معها و الترافع على قضايا سواء كانت تهم الشأن المحلي أو الوطني .
و قبل أن ننطلق في تحديد أسباب عزوف الشباب عن السياسة لابد ان نضع تصنيفا عاما لمؤشر الديمقراطية في بلادنا ، فالنظام المغربي يعتبر نظاما هجينا فهو ليس بالنظام المتسلط الإستبدادي لكنه في المقابل لا يسمح بالديمقراطية الكاملة ، و بالتالي فهناك مظاهر الديمقراطية التي تظهر من مرحلة إلى أخرى مقابل كثير من مظاهر الاستبداد و التراجعات الديمقراطية و الحقوقية التي لا تخفى على أحد .
و في هذا الوسط اتسعت الهوة بين الشباب و السياسة عبر القنوات المؤسساتية الرسمية و لا يقتصر الأمر على المغرب فالمشكل مطروح في العديد من الدول في الشرق الأوسط و شمال افريقيا و التي تعرف فسادا إداريا و سياسيا كبيرا ما يؤدي بطبيعة الحال الى نفور شريحة كبيرة من المواطنين من وسط تنعدم فيه شروط الممارسة السياسية و التغيير بصفة عامة .
و الشباب أكثر الشرائح بعدا من السياسة فالإحصائيات تشير الى أن أكثر من 40 في المئة من الشباب بدون أي اهتمام سياسي و ان أقل من 10 في المئة من يشارك باستمرار في الحياة السياسية المؤسساتية و يبقى الجزء الأكبر من الشباب ذلك الذي يهتم بالقضايا السياسية لكن دون أن يشارك فيها بشكل رسمي .
فما هي أسباب عزوف الشباب عن المشاركة السياسية ؟ و ماهي الفضاءات التي يعبر فيها شباب اليوم عن مواقفه السياسية ؟
كما أشرنا سابقا فظاهرة عزوف الشباب عن المشاركة السياسية تبقى ظاهرة عالمية غير ان حدتها تزداد في بلادنا لعدة أسباب يمكن ان نحددها في ثلاثة عوامل رئيسية :
العامل الأول : مرتبط بالمؤسسات الحزبية
فأغلب الأحزاب اليوم تعاني من غياب الديمقراطية الداخلية و غياب حرية التعبير و بالتالي قمع الأصوات الشبابية المخالفة للقيادة ، كما أن غياب التكوين الحزبي و الإحياء المؤقت للتنظيمات السياسية وقت الانتخابات و عدم منح الشباب الفرصة للترشح في الانتخابات المحلية و التشريعية كلها من الاسباب المرتبطة بالبنيات الحزبية الموجودة في بلادنا ، و التي لازال بعضها يعيش تحت هيمنة العلاقات الأسرية و العائلية و الفساد الانتخابي المتمثل في المال مقابل التصويت ما يجعل المجال السياسي غير محفز للشباب الطواق للاختيار الحر و قيم النزاهة و الشفافية .
و ارتباطا ايضا بالأحزاب المغربية نجد تمسكا غريبا لبعض الزعماء بقيادة الاحزاب لعقود من الزمن و بالتالي غياب التجديد و التشبيب فضلا عن غياب القدوة السياسية القادرة على شد انتباه الشباب للتحمس للعمل السياسي .
العامل الثاني : مرتبط بالنظام السياسي
النظام المغربي نظام هجين لا يسمح بديمقراطية كاملة ، ما يجعل الشباب غير مقتنع بجدوى الانخراط في العملية السياسي لانسداد الأمل في التغيير في نظام لا يتيح الديمقراطية الكاملة ، كما أن غياب الدور الضروري للمدرسة في التربية على المواطنة شبه غائب و نفس الشيء عن الإعلام او السلطة الرابعة التي أصحبت تستعمل لتبخيس العمل السياسي أكثر من ابراز اهميته للمجتمع بصفة عامة و للشباب بصفة خاصة ، لقد أضحت أغلب العناوين منفرة من العمل السياسي و من المؤسسات الرسمية بالخصوص أفقد الثقة في العمل السياسي من طرف شريحة كبيرة من الشباب .
العامل الثالث : مرتبط بالشباب أنفسهم
ما يلاحظ اليوم هو تنامي الأفكار العدمية من العمل السياسي وسط الشباب و أيضا ضعف الشعور بحس الإنتماء الوطني نتيجة العوامل السابقة الذكر ، أسباب ذاتية تلعب دورا كبيرا في ابتعاد الشباب عن الأحزاب .
و لعل الظروف الاجتماعية الصعبة التي يعيشها معظم الشباب تعد ايضا من ابرز العوامل المؤثرة في هذا العزوف ، فمن الصعب ان ينخرط شاب في العمل الحزبي و هو في بحث دائم عن العمل و لقمة العيش تحت ضغوط اجتماعية لا تؤمن هي الأخرى بالعمل المؤسساتي نتيجة تراكمات ربطت العمل السياسي بالاعتقالات و الاغتيالات . و ارتباطا ايضا بالموضوع فالخوف من عدم الاستقرار الاجتماعي و المستقبل المهني يجعل البعض غير قادر على الانتماء لحزب معين رغم رغبته في المشاركة السياسية لكنها تصطدم بالضغوط القبلية خصوصا في الوسط القروي ، حيث يمكن ان تتسبب ممارسة الشاب للسياسية لمشاكل عائلية كبيرة تهدد استقراره الإجتماعي .
على الرغم من العزوف السياسي المؤسساتي يبقى للشباب حضورا كبيرا في التعبير عن مواقفه السياسية عبر فضاءات اخرى غير مؤسساتية نذكر منها :
المساهمة في الحراك الإجتماعي :
ساهم الشباب بقوة في مختلف الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدها المغرب في العقد الأخير بداية من حراك 2011 و تأسيس ما يسمى حركة 20 فبراير و التي كان نصيب الشباب الأكبر فيها ، و قد ساهم الشباب انذاك بإطلاق سلسلة من الإصلاحات توجت بدستور 2011 و اعطاء مكانة اكبر للشباب في المجال الؤسساتي ، غير أن التراجعات الديمقراطية و الحقوقية و فشل التنمية في بعض الجهات جعلت من الشباب يعود بقوة في حراك الريف و جرادة و زاكورة و غيرها و لازال الشباب الى حدود اللحظة في السجون او في المحاكم نتيجة المحاكمات السياسية التي طالت متزعمي هذه الاحتجاجات .
الفصائل الطلابية :
خلقت داحل الجامعة المغربية منظمات نقابية طلابية و على رأسها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب و الذي كان قطاعا موازيا لبعض الأحزاب الوطنية الرسمية ، حيث كان في التأسيس موازيا لحزب الاستقلال قبل ان ينتقل القطاع لحزب القوات الشعبية و بالتالي سيطرة الطلبة اليساريين على القطاع الطلابي قبل ان يدخل في مواجهات دموية داخل الحرم الجامعي مع الاسلاميين انتهى بسيطرة فصيل العدل و الإحسان على الاتحاد ، الشيء الذي أبعد القطاع عن المؤسسات الرسمية و تعرضه لتضييق اكبر من السلطات ، كما أحدتث فصائل اخرى ثورية كالنهج الديمقراطي و الطلبة القاعديين و حركة الثقافة الأمازيغية و جلها لا يعترف بالعمل المؤسساتي الرسمي .
في العقدين الأخيرين تأسس ما يسمى التجديد الطلابي و هو القطاع التابع لحركة التوحيد و الإصلاح و اهتمت بالدعوة و التأطير الثقافي و العلمي و النضال من أجل قضايا الطالب المغربي ، غير أن قربها من المؤسسات الرسمية و بالخصوص حزب العدالة و التنمية ساهم و لو نسبيا في محو تلك الصورة الثورية للطالب المغربي الذي لا يقبل الحوار مع الأحزاب الرسمية ، بل على العكس رفعت المنظمة عدة مذكرات للجهات الحكومية .
للأسف شهد الحرم الجامعي مؤخرا عدة مواجهات دامية بين بعض الفصائل الطلابية التي اعتمدت لغة العنف و الإقصاء بدل الفكر و الحوار ، الشيء الذي أثر في النضال الطلابي داخل الجامعة و إلى تراجع أدوار الحركة الطلابية بصفة عامة .
ظاهرة الإلتراس في الملاعب الرياضية :
المجموعات الشبابية التي تتفق على تشجيع فريق واحد و تتميز باستقلالية أكبر حيث ترفض الدعم المالي من أي جهة ما يجعلها مستقلة في الغالب عن التوجهات السياسية ، و تعتبر ظاهرة عاملية قديمة لكنها انتشرت في شمال افريقيا في 15 سنة الأخيرة ، و أصبحت الملاعب فضاءات لإرسال الرسائل السياسية و الاجتماعية عبر التيفوات و الرسائل المباشرة و أيضا عبر الأناشيد و الأغاني التي كانت لا تخلو من بعض المطالب السياسية و الانتقادات الحادة للنظام السياسي و الوضع العام بالبلاد .
في أواخر سنة 2015 أصدر التراس ريد ريبلز و هو أحد الفصائل المشجعة لحسنية اكادير أغنية مليئة بالرسائل السياسية حيث انتقدت الوضع الحقوقي و البنية التحتية بعد الفياضانات في الجنوب و وضعية التعليم دون ان تنسى قطاع الرياضة في جملة شهيرة انتقدت فضيحة ملعب الرباط اثناء استضافته مونديال الأندية … نفكروهم ف شوهة المونديال صرفو المليار و حصدو العار أكبر كراطة ف الكابيطال اوزين ارحل أش هاد المنكار ربي انتقم من كل شفار …. كلمات قوية انتقدت بالخصوص تحويل مونديال الأندية من اكادير الذي كان على استعداد تام للتنظيم للرباط لأسباب مجهولة و ما خلف ذلك من فضيحة للكرة المغربية على المستوى العالمي .
و في سنة 2018 سمعنا جميعا اغنية في بلادي ظلموني للجماهير الرجاوية ، اغنية خرجت من رحم المعاناة بقوة الألحان و الكلمات و الوصف الدقيق لمعاناة الشباب المغربي ، الأغنية التي انتشرت في صفوف الشباب المغربي من شماله الى جنوبه تجاوزت الحدود و تم طرحها في مستويات كبيرة من البرامج الرياضية و السياسية المعروفة على الصعيد العربي و الدولي ، لقد خلقت هذه الأغنية نقاشا داخليا و خارجيا لم يخلقه بعض الأحزاب المؤسساتية بكل ما تملك من إمكانيات .
أغاني الراب :
يعتبر الراب شكلا غنائيا متمردا و جريئا لا يعمتد بالأساس على الألحان بقدر ما يعتمد على قوة الكلمة و الألفاظ و القافية ، و قد كان الراب المغربي بين الفينة و الأخرى في قلب الأوضاع السياسية على غرار بعض الدول العربية الذي حضر فيها الراب بقوة في مختلف الاحتجاجات التي شهدتها تلك البلدان ، حضرت بعض الأغاني ايضا في المغرب حاملة للتمرد ضد الاستبداد و الفساد و الظلم .
و لعل اغنية دموع الحومة للرابور مسلم من بين هذه الاغاني التي برزت في العقد الأخير حيث شكلت كلماتها المحافظة و غير الخادشة للحياء و بدون الفاظ نابية ، شكلت وصفا دقيقا للواقع المغربي .
النضال الإفتراضي :
أصبح الفايسبوك و غيرها من وسائل التواصل الاجتماعي في العشرية الأخيرة الفضاء الأنسب للتعبير عن المواقف و الأراء السياسية سواء بالنسبة للشباب المتحزب او الشباب العازف و المقاطع للأحزاب الرسمية ، و ذلك لسهولة ايصال الانتقادات و التدمر من الوضع سواء في الجماعات المحلية او بخصوص القضايا الوطنية و قد كان للفايسبوك أثر كبير في تشكيل رأي عام معين اتجاه مجموعة من القضايا السياسة و الاجتماعية و الاقتصادية . فالأمر لا يحتاج الى تنسيق او تنظيم و يمكن لأي شخص و في أي وقت شاء أن يكتب تدوينة أو ان يحدث صفحات و مجموعات تساهم في خلق رأي عام متفاعل و مؤثر على القرارات التي تصدر محليا او وطنيا …
ادى انتشار الانترنت في الأوساط الشعبية لجعل الفايسبوك أكثر مصداقية في نشر الأخبار السياسية و المتلعقة بالتدبير العام كما جعلت منه الصوت الحقيقي للقوى الشعبية مقارنة مع وسائل الإعلام العمومية الرسمية بمختلف اشكالها و غيرها التي لا تستطيع انتقاد من يدعمها ماديا ، غير أن هذا المعطى سرعان من انقلب عكسيا لعودة المال السياسي بقوة في اختراق مجموعة من الصفحات المؤثرة او احداث صفحات جديدة و تمويل انتشارها ما جعل المواقع الافتراضية مرة أخرى بعيدة عن المعارك الأساسية للشعوب و خادمة للأقوى و خصوصا لمن له القوة المالية ، فبرزت حملات كبيرة و معارك هامشية لا تخدم الديمقراطية الحقيقية اكثر ما تخدم السلطوية و من يجمع بين المال و السلطة .
لقد شهدت سنة 2018 حملة المقاطعة التي يمكن اعتبارها من أكبر الحملات الشعبية على الساحة الافتراضية من حيث نتائجها سياسيا و اقتصاديا ، و أكبر اتحاد شعبي أطلقته صفحات الفايسبوك ضد شجع الشركات ، و رغم تحفظي على الجهات التي أطلقت هذه الحملة فقد كانت من ابرز الاحداث السياسية في العقد الأخير التي روج لها الشباب بشكل كبير عبر صفحات الفايسبوك و حققت و لو نسبيا مجموعة من الأهداف غير المتوقعة .
ختاما لابد من التأكيد أن اهتمام الشباب بالسياسة مهم جدا لتقدم البلد ديمقراطيا غير انه من الأهمية القصوى التواجد أكثر في المؤسسات الرسمية ، و من هذا المنطلق يجب على الشباب اقتحام الأحزاب بمختلف ألوانها فالتغيير يبدأ من الانخراط الايجابي من داخل هذه الاحزاب لا من خارجها ، و خلق فضاءات رسمية للحوار و التكوين .
و لن يكون ذلك الا برغبة مشتركة بين الاحزاب و النظام السياسي بالبلد فلابد من تغيير العلقية السائدة و منح الفرصة للشباب في التسيير و التدبير و تغيير القوانين في اتجاه السماح أكثر للشباب من البروز في مؤسسات تدبير الشأن العام عبر الجماعات الترابية و المؤسسات التشريعية و الحكومية ايضا و غيرها من المؤسسات الرسمية ، فلا ديمقراطية و لا تنمية الا بوجود الشباب فهم الحاضر و المستقبل و أمل الأمة في التغيير و التجديد و الإصلاح .
من الضروري أيضا ان تدرس الأحزاب التحولات العميقة التي يعرفها الشباب المغربي و تتقرب أكثر من البينات غير المنظمة التي يعبر فيها الشباب عن مواقفه السياسية .
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.