2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
يسر جريدة “آشكاين الإلكترونية أن تضع بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة رمضانية تمتح من عبق التاريخ المغربي وارتباطه بمكونه الصحراوي، و تصول و تجول بنا عبر امتداد هذا التاريخ، في الأثر الذي أحدثه قادة وشيوخ و أدباء و سياسيون وأعلام صحراويون في تراتبية هرم السياسة و الثقافة المغربية، من خلال برنامجكم الرمضاني “أعلام من الصحراء”.
ولن تخضع سلسلة ” أعلام من الصحراء” لتعيير كرونولوجي معين، بقدر ما ستحتكم إلى إشعاع العَلَم المُراد تناولُ نفحاتٍ من سيرتِه و تسليطِ الضوء على أهم الجوانب منها، عبر شهادات حية لباحثين أو أقارب أو مهتمين، أو من خلال استقراء التاريخ دون الخضوع لكرونولوجيا معينة في حكي مناقب شخصياتنا.
واخترنا خلال هذه الحلقة من سلسلتنا التاريخية “أعلام من الصحراء“، الحديث عن أحد وجوه المقاومة الذي لم يعط حقّهُ في السير، رغم الدور الكبير الذي قام به في المقاومة ضد المستعمر الإسباني للأقاليم الجنوبية للبلاد، حيث مكنت خدماته غير المسلحة التي قدمها للمقاومة آنذاك من إلحاق خسائر كبيرة بالشرطة الإسبانية، إنه: محمد الشكوطي ابن عبد القادر، المعروف بـ”سنادي”.
المولد والمنشأ
هو محمد الشكوطي ابن عبد القادر أحد أبناء قبيلة لكويدسات جوابر و أمه مِنتو منت محمد لبنو عمار، وهو من قبيلة أهل بارك الله فخد أهل عبدالله، وفق ما أفرده المتخصص في التاريخ الراهن، بارك الله سيد أحمد، في مقال معنون بـ”رجالات من جيش التحرير بالجنوب المغربي، سنادي الشكوطي أنموذجا”، ضمن أطروحته لنيل الدكتوراه الموسومة بـ”جيش التحرير بالجنوب المغربي النشاة والمصير 1956/1960″.
ولد هذا المقاوم الذي شكل لسنوات عين المقاومة داخل الجيش الإسباني، بمنطقة أوسرد سنة 1914م، وله ثمانية أبناء موزعين بين مدينتي السمارة والعيون، وفق نفس المصدر.
ويقول الباحث نفسه، إن “محمد الشكوطي تربى في كنف والده وتعلم القرآن حتى كون علاقات مع الناس التي كانت محيطة بوالده من مختلف قبائل تكنة والركيبات ولشياخ المتمثلة في أسرة الشيخ محمد الأغظف، هذه الأسرة كانت له بها علاقة خاصة وكان أحد تلامذة الشيخ محمد الأغظف واتباع طريقته الفاضلية”.
مترجم صافحه الجنرال فرانكو
وأوضح المتخصص في التاريخ الراهن، بارك الله سيدأحمد، في تصريح لـ”آشكاين”، أن “تاريخ المغرب المعاصر عرف دينامية سياسية كبيرة منذ فرض معاهدة الحماية على البلاد سنة 1912، وتقسيم التراب الوطني لعدة مناطق مختلفة من السيطرة، وهو ما خلف ردود فعل متباينة انطلاقا من المقاومة المسلحة في البدايات الأولى لفرض الحماية، مرورا بالحركات الشعبية والرسمية، وصولا إلى حركات الاستقلال والذي حصل عليه المغرب بشكل تدريجي سنة 1956”.
وأضاف أن “أشكال المطالبة بالاستقلال قد استمرت في المناطق الأخرى التي بقيت خاضعة للنفوذ الأجنبي خاصة الواقعة جنوبا، وهي أشكال تراوحت بين ما هو سياسي سلمي توعوي بأهمية الوحدة الوطنية والالتحاق بالمناطق المحررة، وبين ما هو مسلح يعتمد على المواجهة المباشرة من أجل الإستقلال، ويمكن اعتبار جيش التحرير أبرز أوجهها “.
هذا المقاوم المتخفي بين السلطات الإسبانية، عمل كشرطي لدى الاستعمار الإسباني خلال استعماره لمنطقة الساقية الحمراء، كما أن خبرته تمكنه من اللغتين الإسبانية والعربية وهو ما مكنه من العمل مترجما”، كما يؤكد ذلك الباحث بارك الله سيدأحمد في حديثه لـ”آشكاين”.
والتقطت لمحمد الشكوطي صورة تاريخية رفقة الجنرال فرانكو، إبان فترة الاستعمار الإسباني، والتي تؤرخ للحظة تبادلهما التحية عبر المصافحة، ما يدل على القيمة الاعتبارية للرجل، الذي كان يلعب دور الوساطة بين إسبانيا وأهل الصحراء.
سنادي..استندت عليه مختلف القبائل
وذاع صيت الرجل بين القبائل وأفراد المقاومة حينها، و أعضاء جيش التحرير، نظرا “لما عرف به الشكوطي داخل هذا الوسط بالكرم والجود و فعل الخير، لا يفرق بين الفقير و الغني ولا حتى الكبير والصغير يعرفه الجميع حتى المسؤولون الكبار بمن فيهم قياد جيش التحرير”، يقول الباحث نفسه.
وأوضح سيدأحمد بارك الله أن “سبب تلقيب الشكوطي بالسنادي لأن مختلف القبائل تستند عليه حينها في قضاء أغراضها المعيشية
اليومية”.
كما عمل الشكوطي إبان فترات المقاومة ضد الإستعمار، على “جمع شتات المهاجرين من جميع القبائل وكان محط رحال الوافدين إلى منطقة الساحل من جميع مدن موريتانيا”.
أول من أدخل “لاند روفر” لمدينة العيون
ولفت سيدأحمد، أن “محمد الشكوطي كان أول من أدخل سيارة لاند روفر إلى مدينة العيون، وكان عندما يطلب منه أبناء القبيلة كراءها لهم، يرفض ذلك ويقول إنه يرفض أن يكتب التاريخ عنه أنه قام بكراء سيارته لأحد، ومن أراد استعمالها فليأخذها دون مقابل”، ولقب حينها بالسنادي، لكونه شخصا يعتمد عليه ويستند عليه.
عبن المقاومة المغربية داخل دواليب الشرطة الإسبانية
وقال الباحث المتخصص إن الشكوطي “لم يشارك بسلاحه في المقاومة أثناء تأسيس جيش التحرير 1956م، إلا أنه كان من الداعمين له خفية ماديا و معنويا؛ فبحكم عمله مع الشرطة الإسبانية كان يخبر رجال المقاومة بمكان تواجد الثكنات العسكرية الإسبانية حتى لقبه أحد القادة الصحراويين بقائد القاعدة الخلفية لجيش التحرير”.
تأبين إذاعة لندن له لأسبوع
وأكد محدث “آشكاين”، عن هذه الشخصية التي “لم يعط لها حقها” وفق تعبيره، على أنه “توفي رحمه الله سنة 1994 بمدينة العيون ودفن بها، وأقامت له اذاعة لندن آنذاك برنامجا تأبينيا استمر لمدة اسبوع”.
الحلقة السابقة:
أعـلامٌ من الصّحراء: الدّاي ولد سيدي بابا.. مـوريتاني تَـرأَّسَ البرلمان المغربي