2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

تحولت موريتانيا في الأسابيع القليلة الأخيرة، إلى قبلة لزيارات متتالية ومتقاربة، بل وأحيانا متزامنة، لوفود رفيعة المستوى ولمسؤولين كبار من مختلف القوى الدولية والإقليمية، فبعد قادة جيش الجزائر و وزير خارجية إيران و بعثة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، جاء الدور على روسيا و الاتحاد الأوربي ليقوما بدوهما بزيارة إلى موريتانيا.
وحل يوم الثلاثاء 7 فبراير الجاري، وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في زيارة لموريتانيا قادما إليها من عاصمة مالي باماكو التي أمضى فيها يومين، في إطار جولة أفريقية لعدد من الدول؛ منها مالي، موريتانيا، تونس و المغرب.

وبالتزامن مع زيارة لافروف، حلت بعثة من الاتحاد الأوروبي بموريتانيا و التقت قائد أركان الجيش الموريتاني، في نفس اليوم الذي وصل فيه لافروف إلى موريتانيا، وهو ما يجعل التساؤل مشروعا عما إن كانت موريتانيا قد تحولت إلى معترك صراع بين روسيا والاتحاد الأوروبي، وما إن كان هذا الصراع سيمتد ليؤثر على مصالح المغرب بإفريقيا نظرا لكون موريتانيا تشكل صلة ربط بين المملكة وعمقها الإفريقي.

في هذا الصدد، يرى أستاذ العلاقات الدولية بكلية الحقوق بطنجة، محمد الغربي، أن “موريتانيا ليست وحدها من تحولت إلى حلبة صراع بين روسيا و الإتحاد الأوربي، وإنما القارة الإفريقية برمتها، وهو صراع اليوم بين القوى الكبرى في العالم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا الفدرالية”.
وأوضح الغربي، في تصريحه لـ”آشكاين”, أن “الاتحاد الأوربي، سواء ككتلة اقتصادية واحدة أو كدولة منفعلة كان لها ماض استعماري في القارة الإفريقية، لأننا عندما نتحدث عن الاتحاد الأوربي، فنحن نتحدث عن البرتغال و إسبانيا وفرنسا و إيطاليا و ألمانيا، وبريطانيا وهولندا، وكل هذه الدول إلى حدود سبعينيات القرن العشرين، كانت لها مستعمرات في القارة الإفريقية”، موردا أن “موريتانيا التي توجد جنوب المغرب هي امتداد لأهمية جيو استراتيجية لهذه الدول الواقعة في هذه المنطقة من الصحراء غرب القارة الأفريقية الكبرى”.
وأكد المتحدث أن “موريتانيا دولة واعدة على مستويين، سواء على مستوى الإمكانات النفطية التي يمكن أن تكون هناك، أو على المستوى المتوسط والبعيد، حسب الكثير من الدراسات الاستشرافية، وأهمية المحيط الأطلسي على مستوى الصيد”.
وبالنسبة لروسيا، يسترسل أستاذ العلاقات الدولية نفسه أن “روسيا عادت للقارة الأتفريقية، لأن هناك حنين لهذ القارة يذكرنا بالتواجد السوفياتي في ستينيات وسبعينيات وحتى بداية ثمانينيات القرن الماضي، حيث كان الاتحاد السوفياتي متواجدا إفريقيا في الجزائر، ليبيا، السودان، مصر، الصومال، والموزمبيق، وفي إثيوبيا في فترة تاريخية معينة، وفي أنغولا، بل وكانت هناك دول تقوم بدور الوكالة في الحروب، زمن عصر الحرب الباردة، كما هو الدور الكوبي الذي كان مدعوما بالدور السوفياتي”.

وتابع أن “روسيا عادت إلى القارة الإفريقية من خلال بوابات، سواء من خلال الأزمة الليبية التي رأينا فيها حضورا روسيا قائما، خاصة في السنتين الأخيرتين، والحضور الروسي في مالي، والتفكير الجدي لفرنسا بالانسحاب العسكري والاستراتيجي، ولو مؤقتا، ودور قوات الفاغنر الروسية في كثير من مناطق النزاع المسلح في عدد من دول القارة الإفريقية”.
وأبرز المتحدث أن “القارة الإفريقية بمواردها الطبيعية والبشرية وطاقاتها الاقتصادية والاجتماعية وإمكانياتها الزاخرة على المدى المتوسط والبعيد، عادت(القارة الإفريقية) لتكون قارة للتنافس الروسي الأوربي”، موردا أن “روسيا عادت إلى الساحة العالمية منذ سبع سنوات ونيف، عندما عادت إلى الشرق الأوسط عبر البوابة السورية بعد شتنبر 2015، وعادت للساحة العالمية لتؤكد على نهاية القطبية الأحادية الأمريكية، من خلال الحرب الروسية الأوكرانية والتي ستدخل عامها الأول”.
وعن سؤال “آشكاين” عن أثر هذا الصراع الأوربي الروسي القائم بموريتانيا على مصالح المغرب، استبعد الغربي في تصريحه لـ”آشكاين”، أن “يكون لهذا تأثير كبير على المصالح المغربية، نظرا للتوجه المغربي كقوة إفريقية على المستوى الإقليمية وهو جلي وواضح، إذ أن التوجه الرسمي المغربي أكد على التوجه الإفريقي منذ سنوات خلصت، من خلال العديد من الخطابات الملكية السامية والرسائل الملكية الموجهة إلى العديد من المنتديات الإفريقية، أو عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي”.
ونبه محدثنا إلى أن “المغرب عاد إلى الاتحاد الإفريقي ليس لإثارة النزاعات، ولكن في إطار توجه استراتيجي جديد يهدف لبناء شراكات رابح رابح بين دول عوالم الجنوب، أي بين هذه الدول الإفريقية التي لها ماض استعماري ولها تحديات في الحاضر والمستقبل ولها رؤى موحدة، كما أن المغرب تجمعه علاقات مع عدد من دول الإتحاد الإفريقي، دون أن ننسى الشراكة الاستراتيجية التي أصبحت بين المغرب وإسبانيا منذ سنة على ضوء زيارتين قام بها رئيس الوزراء الإسباني إلى المغرب”.
وأشار الغربي إلى أن ذلك قام “رغم الفتور الذي يطال العلاقات المغربية الفرنسية، والتي هي ذات أهمية استراتيجية من الناحية التاريخية، ونرجو أن يكون هذا الفتور سحابة صيف عابرة في تاريخ العلاقات بين الرباط وباريس، كما أن المغرب تجمعه، علاقات متميزة بروسيا الاتحادية”.
وخلص إلى أن “المغرب في علاقاته الخارجية يربط علاقات متعددة الأطراف، سواء مع روسيا الفدرالية، أو مع دول الاتحاد الأوربي، وحتى مع دول هذا الاتحاد فهي تمشي بتراتبية معينة، تختلف باختلاف طبيعة دولة داخل الاتحاد الأوروبي ونظرتها للمغرب وكيف تنظر المملكة إلى هذه الدول، علما أن جلالة الملك قال في آخر ثورة للملك والشعب أننا سننظر إلى علاقاتنا الخارجية بمنظور هذه الدول لقضيتنا الأولى المتمثلة في قضية الصحراء المغربية”.