لماذا وإلى أين ؟

الشيات يعُـــدُّ أسباب صمت المغرب و فرنسا تجاه مقتل شابيين برصاصٍ جزائري (حوار)

لا حديث يعلو في الآونة الاخيرة على إقدام خفر السواحل الجزائري على قتل شابين مغربيين فرنسيين كانا على متن دراجات “جيت سكي” بعدما ضلوا الطريق ودخلوا المياه الإقليمية للجزائر، فيما جرح آخر واعتقل رابع لدى السلطات الجزائرية.

وأثار هذا الحادث غضب فئات عريضة من المغاربة داخل المغرب وخارجه، مطالبين بضرورة الرد المغربي، عن حادث أتى ليصب مزيدا من الزيت على نار التوتر بين البلدين، حيث كان لافتا غياب رد أو تصريح من الدبلوماسية المغربية، سوى ما رشح من كلمات قليلة في تصريح مصطفى بايتاس، الناطق باسم الحكومة، بالندوة الصحفية التي تعقب المجلس الحكومي، بأن الموضوع “يبقى من اختصاص القضاء”، دون أن يتطرق لأي تفاصيل.

من أجل قراءة سياق الحادث، والتطرق للمسؤولية القانونية للجزائر، ومعرفة مصير الشاب المعتقل لدى سلطات الجزائر، وسبب صمت الدبلوماسيتين المغربية والفرنسية، استضفنا الخبير في العلاقات الدولية وأستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الاول بوجدة، خالد الشيات، في فقرة “ضيف السبت”، للإجابة عن هذه الأسئلة العالقة.

 وفي ما يلي نص الحوار:

بداية كيف تقرؤون قتل خفر السواحل الجزائري لشابين مغربيين و اعتقال ثالث على الحدود البحرية للبلدين؟

هناك محددات أخرى دفعت الجزائر لهذا الفعل، المحدد الأول يرتبط بالمسؤولية الخاصة للمسؤولين الجزائريين الذين أعطوا الأوامر مسبقا للقوات البحرية بإطلاق النار على أي شخص كيفما كانت طبيعته ومكانته وصفته قادما من المغرب ، وهذا دليل على أن هذا التصرف ليس أحاديا و لا منعزلا، والدليل هو أن الجزائر لم تفتح أي تحقيق قضائي في هذه النازلة باعتبار أن العمل معد له مسبقا .

المسألة الثانية، هي أن هذا الأمر ناتج عن الشحن الإعلامي الكبير ضد المغرب والمغاربة وتصويره في مستوى من العداء، وهي في ذاكرة ومخيال مجموعة من الجزائريين بأنهم يقومون بأعمال بطولية ضد المغرب، حتى من خلال أعمال القتل والإبادة، وهذا الأمر أصبح طبيعيا، لأن مستوى الكراهية الذي يتم تصريفه على المستوى الإعلام الرسمي وغير الرسمي في الجزائر، كبير جدا يتخطى كل الحدود، وبالتالي لا بد أن يكون له نتيجة على أرض الواقع من خلال استعمال هذه الادوات العنيفة ضد المغرب والمغاربة، وادعاء البطولة في هذا الاستعمال والتباهي بهذا الفعل وتبريره، واعتبار أن المغاربة هم الذين دائما في حالة عداء ضد الجزائريين.

المستوى الثالث، هو أن الجزائر تصرف فشلها الدبلوماسي في كثير من المحطات، لا سيما محطة بريكس، وبالتالي فتفادي زيادة الوعي الجزائري الداخلي ضد النظام، دفعته إلى لفت أنظار الجزائريين إلى موضوع آخر يرتبط بالمغرب والمغاربة، وهو المشجب الذي تعلق فيه الجزائر دائما كل فشلها الداخلي والخارجي.

طيب..ما هي المسؤولية القانونية في القانون الدولي في مثل هذه الحالات؟

المعطيات الواردة في القانون الدولي، ولاسيما القانون الدولي الإنساني، اتفاقية جنيف لسنة 1949، أو الملحقين لسنة 1977 كليهما يحددان مفهوم العسكري والمقاتل والمدني وغيرها.

هذا الامر الذي يحدده القانون الدولي، يكون في حالة صراع أو نزاع دولي، وهي أمور تنطبق بشكل كبير بعيدا عن هذا الحادث، لأن هذا الحادث كان واضحا للعناصر المسلحة الجزائرية القائمة على الحدود البحرية الجزائرية، أن الأمر يتعلق بأشخاص مدنيين غير مسلحين، بل إن القانون الدولي الإنساني، يقول حتى في حالة الشك بأن يكون الطرف عسكريا أو مدنيا، فيجب  الترجيح بأنه شخص مدني، ويعقب ذلك التعامل معه على أنه شخص مدني .

الاعتبار الثاني، أن يكونوا طالبي لجوء، وهذا يطرح تساؤلات، فإذا كان قد اعتبرهم الحرس الجزائري  طالبي لجوء فكان عليه أن يتعامل معهم على هذا الأساس، والحالة الثالثة التي يمكن أن نعتبرهم مهاجرين سريين أو غير قانونيين.

وكل هذه الاحتمالات تصب في خانة واحدة هي أن مقررات القانون الدولي تقول إن التعامل مع هذه الفئات جميعا لاعتبار الطابع الإنساني الذي يجب يحظى به الأشخاص، وخاصة عدم الاعتداء على كافة الحقوق التي يتمتعون بها.

أما الاعتداء على حياة هؤلاء الأشخاص، كما جاء في شهادة أحد الناجين من حادث السعيدية، والذي قال إنهم تحدثوا للحرس الجزائري وأشير إليهم أن يعودوا لمكانهم باعتبارهم بعيدين عن مناطق البحرية المغربية.

في نظرك ..ما مصير الشاب المعتقل لدى الجزائر؟

الشاب المغربي  المعتقل لدى السلطات الجزائرية يدخل في إطار الإجابة على مسؤولية القانون الدولي وعلى الاعتبارات التي من خلالها ستجرى هذه المحاكمة.

طبعا الدخول في إقامة غير قانونية في إقليم دولة معينة هو أمر غير مقبول، ولكن هناك حالات كثيرة يمكن فيها للسلطات العادية او القضائية أن تكيف بها بعض الأفعال باعتبار التصريحات والوقائع، بالتالي ليس هناك داع للحديث عن أن هناك إقامة و دخول غير قانونيين بالنسبة للمغربيين، فهل سيهربان من فرنسا ويقيمان في الجزائر؟، وكما نقول بالدارجة “يحركوا من فرانسا للجزائر” !، وهذا أمر غير مقبول.

الأكيد أن هذا الأمر وقع نتيجة خلط على مستوى استعمال أدوات الإلكترونية داخل المحرك المائي، وبالتالي أدى بهم إلى دخول المياه الإقليمية للجزائر، وكان يفترض أن تتعامل معهم السلطات الجزائرية بطريقة عادية جدا، بأن تقيم اعتراضا في المياه وتعيدهما إلى مكانهما الطبيعي بدون أي إجراء لا باستعمال السلاح، الذي يعتبر أمرا شاذا في العلاقات بين الدول، ولا بالهروب إلى الامام باستعمال الأدوات القضائية، لكي يقول الطرف الجزائري بأن الطرف المغربي هو الذي كان على خطأ وبالتالي فالمحاكمة قد يمكن اعتبارها أسرع محاكمة لأشخاص بريئين تماما من المنسوب إليهم والحكم عليهم في نفس اليوم وفي حالة لا تحترم أدنى شروط المحاكمة العادلة .

لماذا صمتت الدبلوماسيتان المغربية والفرنسية بشأن الموضوع؟

لا يمكن الحديث عن صمت الدبلوماسية المغربية، لأنه من الواضح جدا أن الجزائر تريد أن تدفع المنطقة نحو المزيد من التصعيد، لأن هذا النظام الجزائري ليس له ما يخسره من وراء هذا التصعيد، فهم في الحضيض والعملة في أدنى مستوياتها، والتضخم في أقصى درجاته، ومستوى المعيشة يتم تجاوزه بآليات اقتصادية غير طبيعية.

بالتالي فاندلاع حرب مع المغرب شيء إيجابي بالنسبة للجزائر، أولا لأن الجزائر يمكن لاقتصادها أن يتكيف مع اقتصاد الحرب، ولان هذا سيخرجها من العزلة الداخلية والخارجية التي تعيشها الجزائر على المستوى الدبلوماسي، حتى لو كان بتصريف هذا العداء للمغرب على المستوى الاجتماعي، ولكن هذا الأمر سيتم كشفه أمام الرأي العام الجزائري.

وبالتالي فالنتيجة هو أن المغرب يجب أن يقوم بالتعامل بحكمة، لأن هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها سلطات الحدود الجزائرية بالاعتداء على مواطنين مغاربة بالرصاص، بل هو أمر تكرر كثيرا، بل وصل إلى مستوى القتل في كثير من الأحيان والاعتداء على الأراضي والضيعات، كما حدث في العرجة، وادعاء مرور طريق في الأراضي الجزائرية وتحويلها، وغيرها من الأمور التي توحي بأن الجزائر تبحث عن شيء لتستفز به المغرب وجره إلى هذا المستنقع الذي لا يريد المغرب السقوط فيه.

وفرنسا، أعتقد أنها أيضا ليست في حاجة إلى تأزيم الأوضاع أكثر مع الجزائــر، علما أن المواطنين المغربيين هما أيضا مواطنان فرنسيان، ، ولكن هذا أيضا يدخل في نسق آخر ذي طبيعة عنصرية، باعتبارهما أيضا مواطنين مغربيين، ليس اسمهما فرنسيا خالصا.

وبالتالي، قد يكون هناك نوع من التواطؤ السياسي بين الجزائر و فرنسا، والجزائر تعلم أن فرنسا ليست لها القدرة اليوم لتنتقد الجزائر بسبب هذا الفعل، لحساسية علاقتها مع المغرب أولا، ثم لحساسية علاقتها مع الجزائر ثانيا.

بالتالي فالجزائر توجد في وضع يخول لها أن تقوم بما تريد أن تقوم به من هذا العبث الذي تتقنه الجزائر، حيث إن الجزائر دائما تتقن هذه الأمور العبثية والمرتبطة بالبلقنة والاستعداء، ولكنها لا تتقن أمورا أخرى مرتبطة بالانفتاح والتكامل والتعاون .

لذلك سيبقى هذا النظام دائما منعزلا إلى أن ينتهي بطريقته الطبيعية، لأن مدة استنفاذ وجوده اقتربت، ما يعني أن التجاوب مع استفزازاته ليست في صالح المغرب.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x