لماذا وإلى أين ؟

صبري: المغرب صنع حل نزاع الصحراء بيديه وتجاوز بيروقراطية الأمم المتحدة (حوار ضيف السبت)

قبل أسابيع قليلة من تقرير مجلس الأمن المرتقب في نهاية شهر أكتوبر المقبل، شهد ملف الصحراء زخما هاما من خلال تحركات مجموعة من الأطراف، أمريكية منها و أممية. حيث، بعد لقاء نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي، جوش هاريس، بقيادة جبهة البوليساريو في الجزائر، حل المبعوث الأممي بالصحراء، ستيفان دي ميستورا، بمدينة العيون، و التقى عددا من الأطراف.

الزخم الذي شهده ملف الصحراء خلال هذه الفترة، يطرح أسئلة حول مستقبل هذا الملف على المستوى القريب، خاصة ما يتعلق بقرب صدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بشأن ملف الصحراء خلال الشهر القادم، وإمكانية عودة الموائد المستديرة التي تجمع الأطراف المباشرة والمعنية.

ومن أجل قراءة خلفيات و تأثير هذه التحركات، التي شهدها ملف الصحراء خلال هذه الفترة على المستوى القريب والمتوسط، يستضيف الموقع الإخباري “آشكاين” في فقرة “ضيف السبت” لهذا الأسبوع المحامي و الخبير في القانون الدولي و نزاع الصحراء، صبري الحو، الرئيس العام لأكاديمية التفكير الاستراتيجي درعة/ تافيلالت.

وفي ما يلي نص الحوار:

بداية، ما هي قراءتك الأولية لزيارة دي ميستورا إلى الأقاليم الجنوبية ولقائه بمختلف الأطياف لأول مرة منذ توليه منصبه؟

ثلاث ملاحظات تميز الزيارة الحالية للمبعوث الشخصي للأمين العام السيد ستيفان دميستورا، والتي تعطي لها طابعا خاصا واستثنائيا، تخرج الزيارة عن المألوف رغم السياق الزمني الذي تتم فيه و هي الإعداد لصياغة تقرير يقدمه الأمين العام للأمم المتحدة لمجلس الأمن أثناء الدراسة الدورية للحالة في الصحراء في أكتوبر المقبل. فالزيارة تتم للأقاليم الجنوبية محل النزاع، وهو مطلب يتحفظ عليه المغرب لكونه الطرف المعني و له الحق في تحديد مكان الاجتماع. درءً للاستغلال الخادع من طرف خصوم المغرب بافتعال حوادث عرضية بغية اصطناع وضع أمني لا يعبر عن حقيقة الواقع. وبالتالي هي معاينة ميدانية محضة للإقليم بكل تجلياته التنموية، الأمنية والاستقرار.

هذه المعاينة ترقى إلى تفاعلية في لقائه مع محاورين جدد يمثلون الساكنة في المجالس الإنتخابية، محلية إقليمية و جهوية، في لقائه مع جمعيات المجتمع المدني، إنها تتم دون استثناء ولا اقصاء، اذ شملت حتى المؤيدين للطرح الإنفصالي و انفتاحه على أطراف خارج أخرى، والملاحظة الثالثة أن النقاش تم بتلقائية بحيث إن المبعوث الشخصي تمتع بكامل الحرية في نقاشه وتفاعله مع الساكنة دون قيود ولا حدود.

طيب، وعلى ماذا يؤشر لقاء المبعوث الأممي بجميع أطياف الأقاليم الجنوبية بمن فيهم انفصاليو الداخل بمدينة العيون؟

الحرية التي تمتع بها المبعوث الشخصي في لقاء أطياف متنوعة بمن فيهم انفصاليو الداخل، يفيد من جهة قبول المغرب انفتاح المبعوث الشخصي على محاورين جدد، و هذا المسعى كان مطلب المبعوث الشخصي السابق كريستوفر روس، الذي خلفه الألماني هورست كولر “بالنهج المبتكرة”، كما تجدر الاشارة أنه من بين الأسباب وأخرى التي جرت عليه سحب ثقة المغرب منه، لأن المغرب كان يعتبر الطلب مريبا غير بريء ومشبوها، لأن الأمر لم يستطع اقناع المغرب بالهدف من النهج و من الوسيلة مادام المغرب هو المخاطب والطرف.

وأومن أن قبول المغرب بهكذا طريقة يفهم منه أن الأخير، أي المغرب، تمكن من قلب وتغيير في ماهية شكل وطبيعة النوايا والهدف من النهج بين تصوره سابقا كوسيلة لتشديد الضغط على المغرب عبر الشك في سيادته، واعتباره مجرد مدير لارغامه على تقديم تنازلات، الى اعتبار الانفتاح الحالي على محاورين جدد، وبالضبط من المنتخبين والشباب والنساء و صوت الانفصال من داخل المغرب. كل ذلك يعتبر في جوهره تنفيذا من المغرب لقرار مجلس الأمن الأخير من جهة. والأهم هو اتخاذ المبادرة الأممية دليلا وحجة لصالح المغرب على تعدد الجهات المخاطبة والممثلة لسكان الصحراء.

وفي ذلك هدم وانهاء لخدعة وزيف احتكار البوليساريو التمثيلية الجماعية لساكنة الصحراء، إذ تمكنوا لأول مرة أن يعبروا وينقلوا صوتهم مباشرة للأمم المتحدة والعالم عن ارادتهم وايمانهم بالوحدة والدفاع عنها للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة. و هو مؤشر على اتجاه و رغبة الأمم المتحدة الأكيدة الى إنهاء استئثار البوليساريو بذلك، و ترتيبها في حجمها الطبيعي كصوت من بين أصوات يمثل نفسه وجزءاً من ساكنة مخيمات تندوف الموالين للانفصال ولا يتعداه إلى ماهو أكثر من ذلك.

والخروج بنتيجة أن البوليساريو صوت الأقلية القليلة الذي لا ينسحب على الأغلبية الكبيرة من ساكنة الصحراء، الذين انتدبوا من يدافع عنهم ويمثلهم في انتخابات حرة ونزيهة، وبأغلبية تكاد تكون استفتاء بالنظر الى حجم المشاركة الكبيرة. ويجب على البوليساريو أن تنصاع الى خيار الأغلبية وليس العكس.

زيارة ديميستورا للمنطقة تزامنت مع زيارة المبعوث الأمريكي نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية، فما العلاقة بينهما وتأثيرهما على ملف قضية الصحراء؟

عندما اعترفت أمريكا للمغرب بسيادته على كل الصحراء، فان التزامها لم يقف عند مجرد التعبير عن الموقف فقط خلافا لاعتقادنا و فهمنا الذي يقف عند العناوين الكبيرة ولا نعطي القيمة لمضمون النص والوثيقة الأمريكية. وبالرجوع الى الوثيقة نكتشف أن امريكا حددت خارطة الطريق التي ستتبعها في اطار التزام أمريكي ذاتي خالص بالعمل مع الأطراف بما فيه الجزائر للوصول الى حل بتطبيق الحكم الذاتي المغربي .

ومن تم فان الزيارتين ورغم استقلالية عمل المبعوث الشخصي للأمين العام على أمريكا، الذي يشجعنا على القول من حيث المبدأ بعدم وجود علاقة في تزامن الزيارتين. فان اتحاد الأطراف في التحقيق في نفس الملف. وتقاطعهما في الاهتمام و في الهدف، ولو بدرجات متفاوتة فالمبعوث الشخصي يعتبر الملف اهتمامه الأوحد و الوحيد بينما اهتمام المبعوث الأمريكي نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية في الزيارة قد يكون ملف بين عدة ملفات.

كل ذلك لا يلغي وجود علاقة بين الزيارتين ولربما التنسيق بينهما في ضرورة الدفع لعودة الأطراف الى طاولة مناقشات المائدة المستديرة، سيما وان امريكا تتمتع بولاية واسعة في نزاع الصحراء لكونها من اعضاء مجلس الأمن وله حق النقض ، وهي التي تتولى تحرير مسودات قرارات مجلس الأمن المرتبطة بدراسة الحالة الدورية في الصحراء، ومن الدول اصدقاء الصحراء، وأكثر من هذا وذاك فهي تعترف للمغرب بسبادته على كل الصحراء، والتزمت بحل بتطبيق مبادرة المغرب بالحكم الذاتي. كل ذلك يجعل العلاقة بين الزيارتين تابث بطريقة مباشرة او غير مباشرة.

لاحظ البعض أن هناك “ليونة” نوعا ما في تعاطي الجزائر مع الملف، خاصة مع “الضغط” الذي مارسته أمريكا على الجزائر من خلال زيارة المبعوث الأمريكي أو من خلال اتصال مدير المخابرات الأامريكية، كيف تفسر ذلك؟

ليونة الجزائر ليست نابعة من اتصالات أمريكا رغم تعددها وتنوعها واختلافها، عبر وزير الخارجية او سفيرتها بالجزائر أو غيرها، بل يتبين أنه هناك حاجة جزائرية محضة، فهي تدرك أن ملف نزاع الصحراء محسوم للمغرب على كل الأصعدة ميدانيا وأمميا وعلى ارض الواقع من خلال انخراط المجتمع الدولي في عمليات ارساء الحل. و تمكن المغرب من تحويل الجهة الى مركز استثمار دولي و جعلها منطقة دولية وذات زخم ديبلوماسي عالمي . فالمغرب تمكن عمليا من صنع الحل بيديه، بل تأكيده، وتجاوز تحقيقات الأمم المتحدة البطيئة والبيروقراطية والتي تشتغل على وقع التوازنات .

كما أن الجزائر تعيش على صفيح ساخن وتعيش عزلة دولية حقيقية، حدودها مغلقة مع الجميع في الشرق مع ليبيا وتونس ومن الغرب مع المغرب وموريتانيا رفي الجنوب مع مالي والنيجر، ومن الشمال مع اسبانيا، نسبيا مع ايطاليا.

ويعقد من وضع الجزائر دخولها في استقطاب وجذب دولي حاد، واجتمع فوق اقليمها كل المتناقضات بين الشرق روسيا والصين والغرب امريكا واوروبا. وبين امريكا وايران وبين ايطاليا وفرنسا. واتضح أنها رأس حربة بل وأداة لنشر الفتنة بين الأفارقة. كما اعترف رئيسها بعدائه للغرب أثناء استنطاقه من طرف بوتين خلال زيارة الأخير لروسيا. وزاد من عزلتها رفض حلفائها روسيا والصين وجنوب افريقيا انضمامها الى تجمع دول بريكس. فاصبحت يتيمة تبحث عن سند تتكؤ عليه ولو الى بعد حين. ولا مراء أن كل ذلك فرض عليها المناورة بالليونة وهي تراهن على مرور الوقت واتضاح صورة الوضع والنظام الدولي الذي يتأسس.

وما هي المنتظرات من وراء هذه التحركات الأممية والأمريكية المكثفة في ملف الصحراء، وهل تكون بداية لعودة الموائد المستديرة؟

أكيد أن التحركات من جهة الأمم المتحدة وأمريكا في آن واحد تعطي الدليل على أن المنطقة اتخذت واحتلت بعدا و تأثيرا جيوسياسيا واستراتيجيا مهمت في العلاقات الدولية. و هي مفتاح السيطرة والتوجيه والتأثير في الأحداث التي تقع في الصحراء والساحل والغرب الأفريقي.

كما أن تطور النزاع بين المغرب والجزائر الى حرب شاملة سيعقد حسابات تواجد الغرب الأمريكي عامة والحلف الأطلسي الأمريكي الأوروبي خاصة في افريقيا. كما أن ديناميكية الفعل الديبلوماسي المغربي الملكي جعل المغرب في مركز جد متقدم ، واصبح يفرض قراره وتوجهه بندية خارج اطار التابع غير المستقل السابق.

والمغرب يعي بقوته وواثق من نفسه، وبقي لديه طلب واحد لدى الأمم المتحدة وفقا لبنود مبادرته بالحكم الذاتي ، فهو في حاجة الى اشهاد بنهائية النزاع فقط. وان اي تأخر أو تراخي أممي او أمريكي يجعلهما خارج السياق وناتج المعادلات.

ومطلوب من الأمم المتحدة وأمريكا وغيرهما التعبئة والفعالية المشفوعة بالديناميكية من أجل ضمان الحضور في العمليات النهائية للحل. سيما وان الجزائر استدعت واحتمت بالمعسكر الشرقي، بقوى دولية متضادة افقدت الجزائر السيادة على موقفها، وان أي خطأ أممي و أمريكي أو تقصير او غفلة منهما يفقدهما الدور والحضور في المنطقة ككل. ومفروض عليهما تجسيد حيويتها في الحل وفي المنطقة .

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x