لماذا وإلى أين ؟

نجية لبريم.. حمل داخل السجن

معتقلات بلا أحكام..، سلسلة يتم تسليط الضوء من خلالها على الظروف التي عايشتها عائلات المعتقلين في فترة ما سمي بـ “سنوات الرصاص” التي شهدها المغرب،

وفيما يلي تكملة للحوار الذي الذي تحكي من خلاله نجية لبريم مسار رحلتها إبان اعتقال زوجها في تلك الفترة:

– كيف هيئت العائلات للمحاكمة؟

بحثت العائلات في الأول عن محامين يُمكن لهم الترافع، وتم اللجوء أساسا لهيئة دفاع محسوبين عن الاستقلال والاتحاد الاشتراكي ومنظمة العمل والتقدم والاشتراكية، وعلى العموم تعامل المحامين كان جيد جد مع اسثتناءات قليلة، وكانت هيئة الدفاع مكونة من أكثر من 30 محامي، والبعض منهم ترافع عن القضية بكل حب كأنها تهمهم شخصيا، وكأنهم يترافعون عن فلذات أكبادهم، وهي لحظة لا يمكن نسيانها أبدا.

وللتاريخ ورغم الاختلاف السياسي والإيديولوجي، كان المحامي القباب، نسيت اسمه الكامل، (تقصد محمد بن عبد الهادي لقباب) المُنتمي لحزب الاستقلال من أروع ما عاملوني شخصيا سواء في إعطاء الملف الوقت الكافي والتعامل معه كأولوية الأوليات من بين مئات الملفات الموجودة لديه، في حين بعض المحامين من المحسوبين على التيار التقدمي كانوا يُحرجون بعض المرات لما نلجأ لهم كعائلات المُعتقل.

في كل يوم محاكمة كنت أطلب يوم إجازة، ما ترتب عنه اشتغالي بشكل متتالي لمدة 4 سنين دون أي عطلة، على اعتبار الحق السنوي المكفول للموظفين في العطل كان هو تلك الأيام التي أطلبها، وأثناء المحاكمة كان يتم تطويق كل الازقة المحاذية بالحواجز الحديدية، وكانت العائلات تراقب المعتقلين يتم إدخالهم وسط الزغاريت والهتافات، وبعدها ندخل نحن للمحاكمة وكان يتم السماح حصرا بدخول شخص من كل عائلة.

وبالموازاة مع خطوة اللجوء للمحامين، كنا نلجأ للجمعية المغربية لحقوق الانسان والعصبة المغربية للدفاع عن الحقوق المرتبطة نسبيا بحزب الاستقلال، كما كنا نراسل كل الجرائد كيفما كانت توجهاتها، والأحزاب السياسية الوطنية التقدمية، في حين لم نلجأ أبدا لـ “الأحزاب الإدارية” كونهم حرضوا ضدنا مرارا وعلنا بأننا أعداء الوطن،

– كيف استقبلت لحظة إدانة زوجك بـ 15 سنة سجنا نافذا؟

في يوم الحكم رفضوا إدخالنا للقاعة، وبقينا في العراء إلى حين الثالثة صباحا لما توصلنا بالحكم من طرف المحامين، وكانت لحظة غضب وحزن وانكسار كبير لدى كل العائلات، كانت السنوات ثقيلة جدا وصعبة تقبل مثل هكذا أحكام صادرة في حق شباب مثقفين حاملين لفكر نقدي تنويري، ومسالمين حلموا بوطن يتسع للجميع، نظمت مسيرة غاضبة حينها مليئة بالبكاء والإحباط لمنزل أحد المعتقلين نسيت اسمه تماما، وعلى ما أعرف هو مسؤول الآن بالمجلس الوطني لحقوق الانسان.

كانت لحظة سماع الحكم صعبة جدا، وتبادر للدماغ مشاعر مختلطة جدا ومتناقضة، أفكار من قبيل أن الحياة توقفت في هذه اللحظة، ولم يعد هناك مستقبل لي، وأنني لن أجرب أبدا الإحساس بالأمومة، بدأت أفكر أني سأفقد عقلي..، وفي أول زيارة بعد الحكم قلت للبوكيلي بالحرف “إذا كان الغرض من الحكم هو عزلك عن العالم، فأنا غنجيب ليك العالم كولو لعندك”، وقد كنت وفية لهذا وبقيت أناضل بكل الطرق إلى حين خروج رفيق دربي.

لحسن الحظ عائلتي قبلت الأمر وشجعوني على الاستمرار في العلاقة رغم السجن، وقال لي الاب بالحرف: “بغيتي ا بنتي تبقاي معاه فهذاك هو المضنون فيك، أما الى مبغييش فراه حقك هذاك لكن أنا غنبقا نزور داك سيد ديما لأنه من أروع ما شفت”.

– ما الخطوات التي قامت بها العائلات بعد الحكم؟

بعد الحكم سيتم اللجوء لأول مرة لمنظمة العفو الدولية AMNESTY، وفي هذه المرحلة ستدخل العائلات فيما يمكن تسميته المرحلة الثالثة، وهي النضال من أجل الاعتراف بالسجناء كمعتقلين سياسيين، بعدما تحققت المرحلة الأولى وهي معرفة أماكنهم، والمرحلة الثانية وهي المحاكمة.

كنا نراسل المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية خاصة أمنيستي، وكنت ما بين 12:00 14:00 أرسل وثائق وبيانات المُعتقلين للمنظمات الدولية وكان “الفاكس” موجود فقذ في إحدى فنادق الدار البيضاء، كما كنت أتكلم لدقائق معدودة بثمن 250 أو 300 درهم، ومرة لم يكن لي مالا كافيا وتركت بطاقة تعريفي الوطنية كضمانة.

وبعد سلسة من الضغط والنضال، تم الاعتراف بالمعتقلين كمعتقلين سياسيين، وكان الأمر مر في وقت قياسي مقارنة بباقي المجموعات، وذلك نظرا للضغط والمد التقدمي، وللصيت الدولي الذي أخذته القضية، إذ بدأ يتوصل المعتقلون بمئات الرسائل مليئة بالحب من تلاميذ مدارس السويد وفرنسا، وكانت الكنائس تقيم صلوات من أجل الإفراج عن المعتقلين بالمغرب، ناهيك عن توصلهم بمئات الكتب أسبوعيا.

ومع مرور السنين تمت الزيادة في مدة الزيارة من عشر دقائق لربع ساعة لنصف ساعة، وبعدها تم الفصل أخيرا عن الحق العام، وبدأ يُسمح لنا بزيارة خاصة كزوجات للمعتقلين السياسيين وحدهم يوم السبت، وبعدها حملت وأنجبت ابنتي من أبوها وهو داخل السجن، ونفس الأمر ينطبق على الرفيقة أمينة بوخلخال ومصطفى البراهمة لما أنجبا تهاني البراهمة وسموها على اسم الشهيد أمين التهاني.

العبرة

في الأخير أود الإشارة أن حركة عائلات المعتقلين كانت حركة نسائية بامتياز، لدرجة يمكن اعتبار عائلات المعتقل نواة الحركة النسائية المغربية، فلم يعرف المغرب أي فعل نسائي جماهيري لافت إلا بعد معركة العائلات.

وأنا جد فخورة بهذه التجربة التي أفادتني كثيرا وساهمت في تكوين شخصيتي، وجد سعيدة ان زوجي بقي وفيا للأفكار التي اعتقل من أجلها، إذ كنت متخوفة من تغيير أفكاره، فلا يعقل أن أكافح طيلة سنوات الاعتقال ليغير في الأخير ما كنا نحلم به معا، وأنا جد فخورة أننا كتبنا بفخر جزء من تاريخ المغرب الحديث.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

3 1 صوت
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x