لماذا وإلى أين ؟

فاطمة العمري.. زوجة معتقل الملوك الثلاث وأم لأبناء بأسماء غريبة (2)

معتقلات بلا أحكام..، سلسلة يتم تسليط الضوء من خلالها على الظروف التي عايشتها عائلات المعتقلين في فترة ما سمي بـ “سنوات الرصاص” التي شهدها المغرب.

وفيما يلي تكملة للحوار الذي الذي تحكي من خلاله فاطمة العمري مسار رحلتها إبان اعتقالات زوجها المتكررة في تلك الفترة

– ما الخطوات التي قمت بها بعد اعتقال زوجك في أحداث 1973؟

اعتقال يونيو 1973 كان أصعب اعتقال مقارنة بباقي اعتقالات بوكرين المُتكررة، لأني مصير زوجي لم يكن معروفا عكس الاعتقالات الأخرى التي كان يُعقتل ويقدم للمحكامة.

فقمت بمساعدة بعض الأصدقاء ورفاق بوكرين بمراسة وزير العدل آنذاك، وطالبت فيها بالكشف عن مصير زوجي وإحالته على المحاكمة، وقد نشرت بعض الصحف الحزبية الوطنية تلك الرسالة، وكان لها الفضل في إخراج قضية بوكرين مجهول المصير للعلن، وبعدها بأيام قليلة أو أسابيع قُدم زوجي لمحاكمة وحكم عليه بثلاث سنوات بتهم حيازة الخرائط العسكرية وتهريب المطلوبين والفارين من العدالة، وكان محظوظا جدا ببقاءه على قيد الحياة، وفور قضاءه تلك المدة وإطلاق سراحه، عاد للعمل السياسي من جديد.

– هل تقبلت فكرة عودة بوكرين للنضال والسياسة بعد كل ما مر عليه؟

لم أكن منشغلة بالسياسة ودراستي متوقفة في حدود السنة الرابعة ابتدائي، لكني كنت مقتنعة بما كان يقوم به زوجي ونبل مواقفه وأفكاره، وما علي سوى مساندته.

فبعد الافراج عنه، التحق مجددا بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وانتخب ضمن أحد أجهزته القيادية سنة 1978، وساهم كذلك في تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل سنة 1979 في الإقليم والجهة، كما ساهم في تأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في ذات السنة.

– ما الظروف التي أدت لاعتقالات زوجك بعد واقعة مولاي بوعزة؟

اعتقل زوجي مجددا سنة 1981 بسبب الصراعات الداخلية بالاتحاد الاشتراكي وقضى سنة ونصف رهن الاعتقال بعد دعوى رفعها الجناح المناهض لجناح زوجي، وإثر خروجه أواخر 1982 من السجن، ساهم وشارك في قيادة انشقاق علني هذه المرة داخل الاتحاد الاشتراكي يوم 8 ماي 1983 (تقصد ما يعرف بأنصار اللجنة الإدارية وأنصار المكتب السياسي والتي أدت فيما بعد لتأسيس حزب الطليعة من قلب الاتحاد الاشتراكي)، حيث تدخلت قوات الامن واعتقلت بعض الرافضين للتوجه الجديد للمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي وحوكم عليهم بالسجن النافذ لمدة ثلاث سنوات، بتهمة الهجوم على مسكن الغير الذي هو مقر الاتحاد الاشتراكي بالرباط.

– كيف كنت تتصرفين أثناء اعتقالاته المتكررة فترة الثمانينات؟

كنت أقوم بالبحث عنه وزيارته بالسجن ومساندته إلى حين إطلاق سراحه، لم أضعف يوما رغم قساوة الظروف وسوء معاملة العاملين بالسجن أحيانا، فمن يربي ويقوي عزيمة الأبناء في غياب والدهم إن ضعفت واستسلمت..

كانت عائلات المعتقلين رفقة زوجي، تواسيني كثيرا، وكان هذا يُخفف عني كثيرا، فزوجي ليس الوحيد الذي اعتقل وإنما رفقة عدد كبير من المناضلين وما يصيبني يصيب عائلاتهم، كما أن اعتقال زوجي لأفكار يؤمن بها، وليس لارتكابه جريمة ما كان يخفف عني كذلك.

تعرضت خلال فترات الاعتقال لضغوطات عديدة، وتواصل معي العديد من الغرباء طالبين مني الطلاق من بوكرين مقابل تحسين وضعيتي ووضعية الأبناء، وكنت إما اتجاهل الضغوطات او أطرد أصاحبها، فبوكرين رحمه الله هو الحياة عندي ولا حياة دونه، ومواقفه رغم عدم إدراكي وفهمي لها، هي مواقفي وقيمي.

– لأبناءك أسماء فريدة غير مألوفة، أخبرينا عن هذه الأسماء؟

تشبث المرحوم على منح أبنائنا أسماء فريدة جدا، فقد كان بوكرين يترك لي ظرفا مغلقا يحتوي بعض الأسماء، ويوصيني إن هو تعرض للاعتقال أو الاغتيال أو الموت الطبيعي باختيار أحد الأسماء الموجودة داخل ذلك الظرف، وهكذا سمينا الابن الذي مات وحدثك عنه “هزرمر”، وهي كلمة لا اذكر إن كانت فارسية أو رومانية وتعني “ألف رجل”، وأخذ الابن الثاني اسم «غاثي»، ويعني “رفيقي”، والبنت أخذت اسم “نهاد” وهو اسم متداول نسبيا مقارنة مع الباقي، ثم “جويرية” وهو اسم إحدى زوجات الرسول محمد، فــ”ماهر” و”لبيب” ثم “نصوح” وهذا الأخير ليس لي علم بما يوحي أو ما يرمز له.

– كيف استقبلت خبر إطلاق السراح؟

لحظات الإفراج لها طعم خاص وفرحة فريدة جدا لا توصف، فرحة معانقة زوجي ومعانقته لأبنائه، وأنا أتصور الجنة أمامي لما أشاهد بوكرين وهو يلاعب أبنائنا بعد خروجه من السجن، غير أنها لم تكن فرحة كاملة أبدا، فكان لي شعورا دائما باعتقال زوجي في أي لحظة بعدها.

فبوكرين استمر بعد خروجه من السجن في عضويته كقيادي في أحد أجهزة الاتحاد الاشتراكي (تقصد اللجنة الوطنية)، الذي سيتحول فيما بعد إلى حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي حيث انتخب محمد بوكرين عضوا للكتابة الوطنية للحزب، واستمراره في النضال حتى مماته سنة 2012 ترك لي انطباعا سيئا بالاعتقال في أي ثانية وعودة المآسي من جديد.

انتهى.

يُشار إلى أن محمد بوكرين الزوج الراحل لفاطمة العمري قد تعرض لاعتقال جديد يوم 6 يونيو 2007 وهو في السن 73 من عمره، بعد مشاركته بوقفة احتجاجية ببني ملال يوم 05 يونيو 2007 تضامنا مع بعض الأفراد الذين تم اعتقالهم إبان تظاهرات فاتح ماي من ذات السنة، وقد قضى في هذا الاعتقال عشرة أشهر ليطلق سراحه بعد حصوله عفو شمل 17 معتقلا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
ملاجظ
المعلق(ة)
31 مارس 2024 10:13

قبل الافراج عنه في ءاخر اعتقال له سنه 2007 اثر زيارة ملك البلاد الى بني ملال التي كان “بوكرين” يقبع في سجنها اتصل به بعض المسؤولين الكبار يعرضون عليه اطلاق سراحه شريطة طلب العفو..رفض رفضا باتا ان يشاع عنه انه طلب عفوا عن دنب لم يقترفه بل اعتقاله جاء على خلفية قيامه بدورة النضالي في الدفاع عن حق التضاهر والتعبير (مسيرة فاتح ماي) وعلى الدولة ان تعتدر له..انتشر الخبر في دروب وازقة بني ملال ما اضطر معه المسؤولون الى اصدار عفو لم يطلبه فغادر السجن وكان ءاخر اعتقال له قبل وفاته..

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x