لماذا وإلى أين ؟

ملتمس “إسقاط الحكومة”.. من تسببه في حالة الاستثناء إلى محاولة إعادة الإحياء

يرى مراقبون للشأن السياسي بالمغرب أن ملتمس الرقابة الذي تقدم به حظب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مجرد ”جعجعة بلا طحين”، لانعدام الشروط الموضوعية لأَجرأته. وحتى اتهام من يقف وراءه بالتلويح به كنوع من ”الابتزاز” للحكومة. ولقي معارضة وتحفظا ليس فقط من الخصوم داخل المعارضة، بل من داخل بيت من كانوا وراء الترويج له. لكن مجرد تقديم ملتمس للرقابة ضد الحكومة، يعد خطوةتهدد كيانها. ذلك ما اتضح على الأقل في المحاولتين اللتين شهدهما تاريخ المغرب بهذا الخصوص.

معنى ملتمس الرقابة

يعتبر ملتمس الرقابة من الأدوات القانونية المتاحة أمام السلطة التشريعية لإسقاط الحكومة، وذلك في إطار دور الرقابة على عملها الذي يقوم بها البرلمان.

ينص الدستور المغربي، في فصله 105، على إمكانية معارضة مجلس النواب مواصلة الحكومة في تحمل مسؤوليتها من خلال التصويت على ملتمس الرقابة.

واشترط الدستور لقبول هذا الملتمس، أن يتم توقيعه من قبل خمس الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب على الأقل، في حين أن صحة الموافقة عليه تتوقف على تصويت المجلس المذكور عليه بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم.

وتضمن الفصل نفسه من الدستور، إجراء يجب مراعاته أثناء التصويت على الملتمس، والمحدد في كون التصويت لا يقع ”إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداع الملتمس”.

ويودع ملتمس الرقابة في شكل مذكرة مفصلة إلى رئيس مجلس النواب، مرفقة بقائمة تضم أصحاب الملتمس وتوقيعاتهم والفرق والمجموعات النيابية التي ينتمون أو ينتسبون إليها.

لا تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من قبل مجلس النواب، وفق ذات الفصل، إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم. ولا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداع الملتمس.

إذا وقعت موافقة مجلس النواب على ملتمس الرقابة، فلا يقبل بعد ذلك تقديم أي ملتمس رقابة أمامه، طيلة سنة، حسب ما جءا في نص الدستور في فصله 105.

كرونولوجيا ملتمس الرقابة بالمغرب

لجأ البرلمان المغربي، مرتين فقط بعد الاستقلال إلى ملتمس الرقابة، كان ذلك لأول مرة سنة 1964، ضد حكومة أحمد با حنيني، تقدم به فريق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بمجلس النواب، وكان الغرض منه سحب الثقة من الحكومة حينها، وإرغامها على تقديم الاستقالة الجماعية، بناء على منطوق الدستور (الفصل 81 من دستور 1962)، وهكذا أصبحت الحكومة المغربية موضع مطالبة بالمحاسبة لأول مرة أمام مجلس النواب، وذلك بعد أن صارت مظاهر التدهور تتجلى في سائر الميادين الاقتصادية والمالية والاجتماعية.

لم تمر سوى أشهر قليلة من الملتمس، حتى أعلن الملك الراحل الحسن الثاني حالة الاستثناء (07 يونيو 1965)، وما نتج عن ذلك عن تعطيل تام للمؤسسات الدستورية، ويذهب محللون بالقول إن ملتمس الرقابة وما خلفه من أزمة حكومية واحتقان سياسي وراء الإعلان عن حالة الاستثناء هاته.

في ماي من سنة 1990، أعادت أحزاب الكتلة الوطنية (الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، التقدم والاشتراكية، منظمة العمل الديمقراطي الشعبي)،الكَرَّة من جديد، لكنها لم تفلح مرة أخرى في إسقاط حكومة عز الدين العراقي، رغم أن الملتمس وقعه 82 برلمانيا، إلا أنه لم يحظى بالأغلبية المطلقة حين التصويت عليه، بينما نجحت بالتسبب في أزمة سياسية غير مسبوقة في ذلك الوقت.

في المرتين الاثنتين التي شهدها في المغرب تقديم ملتمسا للرقابة، كانت المعارضة تتمتع بقوة، تجعل مجرد التقدم بهذا الملتمس يخلق أزمة وسط الحكومة. غير أن الواقع في سنة 2024 تغير كثيرا، فحزب الاتحاد الاشتراكي الذي كان وراء المبادرتين في 1964 و 1990، ليس هو نفسه اليوم وإن كان زعيمه من يقف وراء الترويج له. لكن بطريقة تجعل ملتمس الرقابة يبدو فارغا من محتواه الحقيقي، بل إن مصدرا تحدث لجريدة ”آكشاين”، توقع أن يفشل هذا المبتغى وهو في مهده. فالمعارضة بالمغرب اليوم- إن صح تسميتها بهذا التعبير- من الصعب بمكان أن تحصل على توقيع خمس النواب كي يسمى مقترحا، كما ينص على ذلك الدستور، ما بالك أن تُحقق هدف إسقاط الحكومة بالملتمس. أضف إلى ذلك ظهور أصوات من داخل المعارضة (مجموعة بيجيدي على قلتها) رافضة للفكرة، وأصوات أخرى من الاتحاد الاشتراكي، صاحب الملتمس، معارضة له.

ملتمس بنكهة ”التسول السياسي”

يرى رشيد لزرق، الخبير في القانون الدستوري، أنه كان مأمولا فور تشكيل حكومة عزيز أخنوش، أن يعلن الاتحاد الاشتراكي، بتنسيق مع المعارضة، تشكيل قطب اشتراكي لمواجهة الحكومة الليبرالية، غير أن ”سعيه لدخول الحكومة بأي ثمن أفرز الغموض والهشاشة وأخل بالتوازن في العمل المؤسساتي بين الأغلبية و المعارضة”.

وشدد ذات الخبير متحدثا لجريدة ”آشكاين”، على أن ”الحملة التسويقية” لملتمس الرقابة هي ”ورقة الغاية من وراءها إثارة ضجة سياسية أكتر منها إرادة لتفعيلها بغاية إسقاط الحكومة”، مبرزا أن تردد باقي أطراف المعارضة في التوقيع على الملتمس هو ”تخوف من كونه مناورة من إدريس لشكر لدخول الحكومة”.

وقال إن لشكر ظل طوال سنتين ”يمارس التسول السياسي تحت مبرر مواجهة التغول الحكومي” ، وكان يفترض أولا، وفق لزرق، العودة إلى ”قيادة المعارضة من خلال تنسيق المواقف والرؤى بين أطيافها حتى يقوّي موقفه ويصبح قادرا على إقناع الآخرين لدعم مبادرته قبل طرحها”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x