2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
رفض العميد تتويج “صاحبة الكوفية” بين المبدأ القانوني والموقف الوطني
ربما لم يكن أحد، من غير الطلبة المعنيين وذويهم، سيعلم بتنظيم المدرسة العليا للتكنولوجيا بالدار البيضاء، عشية السبت 13 يوليوز 2024، حفل توزيع الجوائز على الطلبة المتفوقين لولا رفض عميد كلية العلوم بنمسيك في ذات المدينة، تسليم شهادة التخرج لطالبة متفوقة، بسبب رفضها نزع الكوفية خلال حفل التخرج.
التصرف الذي أقدم عليه العميد المذكور أشعل مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب، بل وصل صداه إلى صفحات عالمية، وسط استنكار ورفض الغالبية العظمى لما قام به (العميد) من فعل “أرعن”، حسب وصف زملائه في المهنة، المنضوين تحت لواء النقابة الوطنية للتعليم العالي.
أكيد أن تصرف العميد، الذي قضى عقودا بميدان البحث العلمي و المقبل على التقاعد، سيكون له تداعيات ستتجاوز شخصه وستطال الوسط الجامعي الذي ينتمي له؛ بل وسيوظف هذا الفعل لمهاجمة الدولة المغربية وما تقوم به من مجهودات لصالح القضية الفلسطينية.
لكن؛ قبل استعراض بعضا من تلك التداعيات، دعونا نتساءل حول ما إن كان تصرف العميد له ما يسنده قانونيا ومبدئيا؟
من حيث القانون، يؤكد عدد من خبراء القانون وفقهائه ممن سألناهم، أنه لا يوجد أي نص قانوني، خاص أو عام، يحدد نوعية لباس الطلبة، سواء أثناء مزاولتهم للدراسة بمدرجات الجامعات والمدارس العليا، أو خلال حفلات التخرج التي تنظم ببعضها، باستثناء ما جاء في القانون الجنائي المغربي.
وما جاء في القانون الجنائي المغربي يؤطره الفصل 483 الذي يقول: ” من ارتكب إخلالا علنيا بالحياء وذلك بالعري المتعمد أو بالبذاءة في الإشارات أو الأفعال، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم”.
و يعتبر الإخلال علنيا، “متى كان الفعل الذي كونه قد ارتكب بمحضر شخص أو أكثر شاهدوا ذلك عفوا أو بمحضر قاصر دون الثامنة عشرة من عمره، أو في مكان قد تتطلع إليه أنظار العموم”.
كما أن القانون المغربي لا يجرم ارتداء لباس له رمزية دينية أو سياسية في ولوج المعاهد والمؤسسات العليا، وكل المؤسسات التعليمية، من الروض وحتى الجامعة، عامة و خاصة، ولنا أمثل في أحكام قضائية انتصرت لتلميذات منعن من دخول مدارس خاصة وأخرى تابعة لبعثات أجنبية بسبب لباس اعتبر أن له رمزية دينية (الحجاب).
ومن خلال نص الفصل 483، يظهر أن طالبة المدرسة العليا للتكنولوجيا بالدار البيضاء، لم ترتكب أية مخالفة قانونية، فهي في الأصل كانت ترتدي غطاء رأس ذو دلالة دينية قبل أن تتوشح بالكوفية التي أصبحت رمز قضية إنسانية أكثر من كونها رزما سياسيا.
فإن كان القانون المغربي العام لا يمنع، ورغم أن القانون العام يبطل الخاص، فهل هناك برتوكل خاص أو قانون داخلي للمؤسسة المنظمة للحفل استند عليه هذا العميد للامتناع عن تقديم شهادة علمية وجائزة رمزية للطالبة المتفوقة علميا؟
الجواب أكيد لا، وإلا لما قام عميد المؤسسة المنظمة لحفل تخرج طلبتها، وهي المدرسة العليا للتكنولوجيا بجامعة الحسن الثاني، بالإسراع إلى المنصة وتقديمه الشهادة للطالبة المتوجة وتعمده التقاط صورة معها، تعبيرا منه على رفض السلوك الذي وجهت به من طرف زميله في المهنة.
أما من حيت المبدأ؛ فحرية الرأي والاختلاف مبدأ كوني، وأكيد أن لهذا العميد، الذي سيتحول إلى أشهر عميد في تاريخ الجامعة المغربية، (له) الحق في التعبير عن رأيه من قطعة قماش أصبحت تعتبر رمزا لقضية، وإبداء موقفه الشخصي منها، وبناء على هذا الموقف رفض التعامل مع طالبة ترتدي رمزا سياسيا/كوفية هو غير متفق معه ومع دلالاتها، وربما لا يساند القضية التي يرمز إليها.
لكن؛ ألم يكن من الأنسب أن يعبر العميد إياه عن هذا الرأي برفض الصعود إلى المنصة من الأساس، وذلك بعدما رأى الطالبة ترتدي ما لا يعجبه ولا يتفق معه ولا يؤيده؟ فلو لم يصعد إلى المنصة، ربما كان سيتفادى بعضا من حدة التداعيات التي سيخلفها هذا “الفعل الشنيع”، والذي اضطره إلى مغادرة قاعة الحفل بصيغة “المطرود”.
من المؤكد أن تداعيات تصرف هذا العميد لن تقف عند الغضب الساطع والسخط العارم الذي وجه به فعله والذي أصبح، حسب البعض من النشطاء، نقطة سوداء في تاريخ الجامعة المغربية، التي يفتخر المغاربة بأنها من أقدم جامعات العالم، والتي كان طلبتها وأساتذتها في مقدمة أطياف الشعب المنتصرين للقضايا الإنسانية العادلة. خاصة وأن هذا التصرف صدر في وقت قاد فيه طلاب وأساتذة جامعات دولية غربية، عريقة، حملة تضامن عالمية مع القضية الفلسطينية التي لا تربطهم بها إلا الإنسانية.
قد يكون تصرف هذا العميد أكبر هدية للمتربصين بالمملكة المغربية وشعبها، والذين لا يفوتون فرصة لضرب صورتها والتشويش على مبادراتهما الدعمة للقضية الفلسطينية. لكن، التاريخ والميدان وحدهما سيجيبان على كل من سيحاول استغلال هذا الفعل الفردي من أجل استهداف المغرب والشعب المغربي في علاقتهما بالقضية الفلسطيني، ولهم مثال فيما يقدم من مبادرات داعمة للقضية، على شتى المستويات، ولعل أبرزها، شعبيا، العشرات إن لم نقل المئات من التظاهرات والمسيرات الجامهيرية الداعمة للقضية، والمنددة بالتطبيع، والمبادرات المجتمعية المنتصرة لحق الفلسطينيين في دولة مستقلة وعاصمتها القدس، دون أي منع لها من السلطات العمومية.
أما رسميا فسنكتفي بتذكير العميد ومن هم على شاكلته بفتح باب المملكة أما قيادة حركة حماس، بزعامة إسماعيل هنية، واستقباله (الوفد) من طرف رئيس الحكومة المغربية، وتنظيم عشاء رسمي على شرفه، وذلك في وقت تقوم فيه عدة دول، تدعي الديمقراطية، بتصنيف هذه الحركة على أنها “إرهابية”.