2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

د.خالد فتحي
قلت لمحاوري منذ شهر ،إن الاحتدام الذي تعرفه الانتخابات الأمريكية، واندفاع ترامب قد يعرضه لمحاولة اغتيال .وحين لاحظت لامبالاته بالنبوءة العارضة ، تراجعت، و نسيتها أنا أيضا.
الآن يفيق العالم على هذا الحدث،حدث محاولة تصفية ترامب ، لنرى الكل يبادر إلى الإدانة.فالواقعة إجرامية وإرهابية مافي ذلك شك .زد على ذاك أن الضحية ليس أيا كان .إنه المرشح الأوفر حظا لرئاسة الدولة التي تحكم العالم.
حوادث العنف ضد الرؤساء والسياسيين كانت دائما موجودة بالولايات المتحدة الأمريكية: يذكر لنا التاريخ، إبرهام لينكولن ( الرئيس 16)، جيمس غارفيلد ( الرئيس 20) ،ويليام ماكينلي ( الرئيس 25), و كذلك اغتيال جون كيندي بدلاس سنة 1963 وأخاه روبيرت بعده بست سنوات بلوس انجلس، ثم محاولة اغتيال دونالد ريغان، وهناك محاولات اخرى أقبرت في مهدها استهدفت كارتر وأوباما وبوش الابن وكلينتون …. الخ .
ماوقع بتجمع بنسفاليا سيمثل نقطة فارقة في تاريخ الولايات المتحدة ، إنه انحدار السياسة الامريكية و سقوطها الحر نحو الاستقطاب الحاد و الاحتراب ،وبلوغ بالانقسام والصراع الايديلوجي إلى أوجه داخل المجتمع الأمريكي.
الأسباب التي تغذي العنف متعددة ومعروفة في الولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك ليس غريبا أن يصطلي بنار هذا العنف مرارا العديد من رؤسائها وشخصياتها السياسية: السلاح الناري منتشر فيها بكثرة،والجريمة المنظمة والعصابات ليس ماينقصها ، كما أن استمرار التوترات العرقية، وانتشار المخدرات والكحول،و استفحال التفكك الأسري ، واستعصاء ولوج الجميع لخدمات الصحة العقلية ، تشكل دوافع محرضة لدى بعض الفئات، هذا بالإضافة إلى أن الصناعة السينمائية وألعاب الفيديو بدورهما يمجدان ويشيعان العنف وعمليات القتل والتقتيل .
تلك هي أسباب العنف العام ،لكن الجريمة السياسية لها عواملها وقوادحها الإضافية التي ينبغي أخذها بالحسبان . لقد بلغت شيطنة ترامب حسب بعض المتعاطفين معه ذروتها مؤخرا، حتى أنه تم تشبيهه بأدولف هتلر، و حتى ان مادونا ،التي سبق وقالت سنة 2017، إنها تتمنى تفجير البيت الأبيض ، تمنت مرة أخرى خلال هذا الأسبوع تصويب البندقية لرأسه ,بينما صورت مغنية شهيرة أخرى نفسها وهي تحمل هذه الرأس بالفعل .
لايجب أن ننسى أن هناك متابعين و مهووسين بمثل هكذا نجمات ، يعتبرون تصريحاتهم أوامر ورغبات ينبغي أن تنفذ في الحال .لكن في حالة ترامب ،أعتقد أن عدم خروج بايدن من السباق الانتخابي، و الذي رفع حظوظ ترامب عاليا ، قد يكون جعل البعض من مناوئيه ،وليسوا بالضرورة من الديمقراطيين، يفقدون صبرهم من كبح تقدمه ، فقرروا الإقدام على محاولة اغتياله ،كآخر ماتبقى لديهم من إجراء أو أمل لأجل استبعاده.
لم يتعرض ترامب لألعاب نارية طائشة ،وإنما لرصاص حقيقي، فالحصيلة قتيلان و جريح .منفذ المحاولة ذهب بسره معه ،والتحقيقات ستطول، ولربما لايفرج عنها أبدا.ستتناسل التحليلات إذن ، وسيتم تفريخ العديد من الفرضيات، بعضها سيكون وجيها ورزينا ،وبعضها الأخر سيكون على العكس من ذلك شعبويا ومنفلتا يجد مأوى وصدى له في شبكات التواصل الاجتماعي ،وهذا ماسيؤثر في رأيي تأثيرا بليغا على مسار الانتخابات .
في مثل هذه الحالات،يتبسط النقاش ،ويتم التركيز على من لهم المصلحة في إقصاء ترامب من الساحة السياسية ولم لا من الحياة نفسها .المشكلة أن لترامب أعداء كثر ،وكلهم قابلون لأن يكونوا ضمن صك الاتهام ،بدءا من منافسيه بحزبه الجمهوري، إلى الديمقراطيين وأتباعهم، إلى الاقليات التي تراه مناهضا “فذا” لأجنداتها،إلى الدولة العميقة التي لانعرف إن كانت حقيقة لاتنظر بعين الرضا لتأثيره المحتمل على الاستقرار الداخلي وعلى دور أمريكا العالمي ام إنها ترغب به ،إلى حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية الذين يتوجسون منه على علاقاتها ببلدانهم و يخشون كل الخشية من الحروب الاقتصادية التي قد يشنها عليهم ،إلى أعداء واشنطن المعلنين الذين لايرون فيه عدوا عاقلا يمكن تحسب خطواته ،إلى بعض المركبات الاقتصادية والصناعية والاستثمارية التي قد لاتحبذ سياساته المعاكسة لخططها….الخ .
لكن المهم في كل هذا هو أن محاولة الاغتيال قد حدثت ،و أنها قد فشلت .وبالتالي نجا ترامب بجلده ،وحصل زيادة على ذلك على الصورة التي يريد من دون أن يكون قدتمناها حقا .فلا احد تهون عليه حياته .أذنه المضرجة بدمائه ستجوب كل العالم ،وستقله لامحالة إلى البيت الأبيض. هذا هو المتغير الجديد أو الواقع الجديد الذي خلفه الحدث . رئيس قد يدخل البيت الأبيض محمولا على أذنه
لاشيء سيعوض ترامب عما حصل له إلا منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.خصوصا وأنه يجيد انتهاز الفرص، ويستثمر في كل شيء . المشكلة انه إذا رسب ،لا أحد سيصدق أنه رسب عن جدارة واستحقاق،بل سينظر إلى فشله كما لو كان مجرد مؤامرة عليه….، محض حلقة تنضم لمسلسل الملاحقات القضائية التي أرقته ، لا بل و اغتيالا سياسيا يعوض إخفاق الاغتيال المادي الجسدي حين اخطأته الرصاصة .وهذه السردية ستكون مضرة بصورة أمريكا. لكأننا بدءا من اليوم لم نعد في مشهد انتخابي أمريكي، وانما في مشهد هوليودي تكتبه ريشة الواقع هذه المرة لاريشة الخيال .الآن انقلبت الآية، لم تعد الصورة التي تبغى مقاومتها ويتعين دحضها تلك التي تظهر أنصار ترامب الغاضبين الموتورين، وهم يهاجمون مبنى الكابيتول،وإنما صارت بدلا منها صورة أخرى تخدم أهداف ترامب المهاجم من الحاقدين ، ترامب المعتدى عليه بين حشد من انصاره بغية تصفيته ،ترامب الذي يختبئ تحت المنصة، ثم ينهض، وهو يمسح الدم الذي ينزف منه ، ويصرخ ، حاربوا حاربوا حاربوا .
هذا المنظر سينفخ في مظلومية ترامب ،وسيعلي من حظوظه مهما تضامن معه بايدن و مهما كان عدد من تعاطف معه من اقطاب ديمقراطيين .لم يعد التطرف لصيقا بالرجل الأبيض، وبذاك المتدين المحافظ الذي تحرضه خطابات ترامب وتدويناته وصراحته الفاضحة الجارحة للخصوم أكثر من اللزوم . لقد عاد ترامب نفسه ضحية للإرهاب. وصار على أمريكا أن تبحث عن الإرهاب خارج مناصريه الذين سيتقوى إيمانهم بزعيمهم بعد هذه الحادثة، وقد يعطونها بعدا دينيا أو اسطوريا يزيد من عزمهم على النصر . هذه الحادثة ستجعل انصاره يسبغون عليه صفة المخلص ويتفانون لاجل انجاحه، و هو ما يرشح الولايات المتحدة إلى عنف إضافي والى احتقان غير مسبوق ، والى ترسيم وترسيخ الانشطار المجتمعي .
لو كان بوسع ترامب أن يفعل شيئا الآن دون أن يراه او يلمحه أحد ،لذهب ليقبل رأس ذاك المهاجم الذي أراد اغتياله ،أو على الاصح لقبل يده التي ضغطت على الزناد واخطأت الهدف ،ولكنها بهذا الخطأ اهدت ترامب هدفه الذي لن يتنازل عنه .أن يحكم من جديد الولايات المتحدةالأمريكية.
لعل ترامب يردد الآن في نفسه وقد نجا باعجوبة :
اذا العناية لاحظتك عيونها، فنم فالمخاوف كلها امان.
او لعله، وهو يتامل نجاته التي ستزفه زفا إلى البيت الأبيض سيفهم بيتي ابي الطيب المتنبي.
وأشجع مني كل يوم سلامتي ..وماثبتث الا وفي نفسها أمر.
تمرست بالآفات حتى تركتها …تقول أمات الموت أم ذعر الذعر .
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.
في الواقع المقال مليء بالتناقضات والانطباعية
نظريا كل قائد سياسي وكل من يسعى للحكم معرض للتصفية