لماذا وإلى أين ؟

مجلس الأمن يفصح عن الاختصاص السري لـ”مينورسو” في الصحراء (حوار)

أصدر مجلس الأمن الدولي، الخميس 31 أكتوبر 2024، قرارًا جديدًا حول ملف الصحراء.

القرار، الذي قدمته الولايات المتحدة، يمدد مهمة بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء  إلى غاية 31 أكتوبر من سنة 2025.

وصوت لصالح القرار 12 من أصل 15 عضوا في المجلس، فيما امتنعت كل من روسيا وموزمبيق عن التصويت، ورفضت الجزائر التصويت، احتجاجا على عدم قبول تعديلات تقدمت بها.

وإذا كان امتناع روسيا عن التصويت ”مفهوما” بسبب عوامل لا علاقة لها بهذا النزاع، بل بسبب صراعها مع الولايات المتحدة، حيث دائما تصوت ضد أو تمتنع عن أي قرار أممي مصدره أمريكا، فإن معاكسة البلد الإفريقي الموزنبيق لمصالح المغرب، يبقى مثيرا للاستغراب.

للوقوف حول مضامين القرار، وأيضا حول تحركات الموزنبيق داخل الأمم المتحدة في هذا الملف، تستضيف جريدة ”آشكاين”، ضمن نافذة ”ضيف السبت”، المحامي والخبير في القانون الدولي المتخصص في نزاع الصحراء، صبري لحو.

هذا نص الحوار :

كيف تقرأ القرار الأخير لمجلس الأمن حول الصحراء ؟

بعد قراءة والتمعن في نسخة القرار باللغة الانجليزية ، أعتقد أن تثمين المغرب لهذا القرار، جاء مطابقا لما يحويه من مضمون، بحيث إن القرار الذي اتخذه مجلس الأمن ينص في مادته الأولى بتنزيل مهام المينورسو بشكل كامل، مما يوحي ويدل على أنه ليس هناك جديد يدعو إلى جعل هذا الملف أن يكون قيد الدرس وقيد التحليل في كل مرة، بمعنى أن النزاع لا يكتسي أهمية قصوى واستثنائية لدى الأمم المتحدة ولدى مجلس الأمن. بمعنى أن هذا الملف عادي جدا، ولاشيء تغير فيه، ولا يكتسي بأهمية على المستوى الدولي بما يجعله ذا أولوية.

أما المادة الثانية من القرار فهي ذات أهمية قصوى ويسترد المغرب ما اُنتزع منه في السنة الماضية، وما أٌنتزع منه بمقتضى تقارير الأمين العام للأمم المتحدة، وقد سبق وأن أشرت إلى أن مشكل المغرب ليست مع مجلس الأمن، بل مشكلة المغرب في عدم التواصل مع الأمانة العامة للأمم المتحدة بكل أجهزتها، بحيث إن تقارير الأمين العام تكشف عن وجود خلل في التواصل بين المغرب والأمانة العامة للأمم المتحدة، وقد أعاد مجلس الأمن الذي عبر في الفقرة الثانية أن الأمانة العامة للأمم المتحدة، تحاول النقوص والتراجع عن التقدم الذي أحرزه مجلس الأمن بمحاولة إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء من خلال أولا أنها تضرب صفحا على مجموعة من النعوت والأوصاف التي كانت معتمدة منذ 2017 و2018 بالضبط، عندما تم توضيح الحل الذي يبحث عنه مجلس الأمن ونعته بأنه واقعي وعملي وتوافقي وسياسي. إذن المغرب يتمكن من استرجاع هذه النعوت التي تنطبق مباشرة على مبادرته بالحكم الذاتي. المادة الثانية إذن من التقرير تعطي نقط وتدعم المركز المغربي وتدعم مبادرته، بحيث إنه ربح نقطة مهمة.

من جهة أخرى يغيب في هذه المادة اللازمة الثانية التي يستعملها مجلس الأمن عادة عندما يربطها المجلس بتقرير المصير، إذ لأول مرة تغيب عبارة تقرير المصير في هذا التذكير وفي هذا التوجيه لأنه عادة ودائما كان مجلس الأمن يستعمل في تذكيره وتوجيهه أنه يبحث عن حل سياسي توافقي وعملي وواقعي بما يضمن تقرير المصير. رغم أنه عاد بطريقة أخرى في المادة الرابعة. بمعنى أن المغرب يربح نقطتين الأولى تتعلق بالمادة والثانية في طبيعة الحل الذي يبحث عنه مجلس الأمن.

النقطة الثالثة مرتبطة بدعم المبعوث الشخصي، بحيث أن مجلس الأمن يدعم دي ميستورا ويثني على المشاورات التي قام بها ما بين 27 و31 من مارس 2023، وكانت المحطة التي اعتمد فيها ذات المبعوث ما كان يسميه بالمشاورات الثنائية بين الأطراف في نيويورك وفي جنيف، بعد أن وجد عسرا في جمع الأطراف من جديد على غرار ما قام به هورست كولر في إطار الموائد المستديرة. فكر دي ميستورا في طريقة أخرى وهي المشاورات الثنائية مع كل طرف على حدة، وهي مبادرة المبعوث الشخصي التي يرحب بها مجلس الأمن ويدعمها.

في المادة الرابعة، أعتقد أنها تثير نوعا من الشك وأعتقد جازما بالرغم أننا نثني على قرار مجلس الأمن ونثمنه، كان على المغرب أن يتمعن في هذه الفقرة بالذات، وخاصة أن فقرة منها تنص على تمكين المينورسو على صلاحيات وحرية أوسع، خصوصا وأنه قد كان تردد من تمكين البعثة منها، وبالضبط فيما يتعلق بحرية المينورسو في التواصل مع بقية الأطراف المحاورين دون تحديد هويتهم.

هذه العبارة تثير نوعا من الغموض والإبهام وتحتاج إلى توضيح، وكان على الدبلوماسية المغربية، حين تثمن قرار مجلس الأمن، أن تثير مسألة هذه الحرية المطلقة التي لا تمتلكها المينورسو. وهنا أعود إلى القرار بحيث لأول مرة يكشف عن الوظيفة والاختصاص المضمر والسري لبعثة المينورسو، إذ كان يقول سابقا إن مهمة البعثة مساعدة للعملية السياسية، بينما القرار يشير بوضوح أن هناك منطقة تدخل ضمن وظيفة واختصاص المينورسو . ولم يحدد القرار ماهية هذه المنطقة، لكن أعتقد أنها المنطقة العازلة. بمعنى أن القرار يؤسس من أجل الإفصاح فيما بعد عن ذلك المجال اختصاص البعثة.

إذن ينكشف دور المينورسو الذي كان محددا في إزالة الألغام وفي مراقبة وقف إطلاق النار، والآن يتم الكشف عن الوظيفة الأخرى للبعثة الأممية، وهي مساعدة المبعوث الشخصي من أجل الوصول إلى حل سياسي.

هذه هي النقط الجديدة بالنسبة للمينورسو، وأعتقد أن مجلس الأمن والأمم المتحدة، بدأ يكشفان النقاب والستار عن القناع الذي كان لربما سبب التوتر السابق بين المغرب والمينورسو، وعمد المغرب إلى تقليم الجناح المدني للبعثة، متذرعا آنذاك أن دور المينورسو استقر على إزالة الألغام وعلى مراقبة وقف إطلاق النار.

هناك إذن دعوة إلى إعطاء المينورسو حرية أكبر وقدرة أكبر من أجل السيطرة على مجالها الذي ربما سيكون نافعا ويساعد على وقف إطلاق النار، على اعتبار أن مجلس الأمن يوجه دعوة إلى الأطراف من أجل التقيد بوقف إطلاق النار. وفي هذا المجال ألاحظ أن الدبلوماسي المغربي لم يعب على هذا القرار عندما سوى بين المغرب و”البوليساريو” في خرق وقف إطلاق النار، بالرغم أن البوليساريو أبلغت الأمم المتحدة بعدم احترامها لقرار وقف إطلاق النار، في حين أن المغرب لا يزال ملتزم به.

بقي أن نشير إلى نقطة أخرى في صالح المغرب وهي أن القرار يدعو إلى المجموعة (المغرب، الجزائر، موريتانيا والبوليساريو)، إلى العودة إلى طاولة المفاوضات عبر الموائد المستديرة، بمعنى أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن يجعل ويكيف هذا النزاع بأنه إقليمي، وأن كل الأطراف التي يدعوها مسؤولة ويجب أن تنخرط في الحل. أيضا يدعو القرار الجزائر إلى الامتثال لتسجيل اللاجئين ويذكرها بدورها في اتفاقيات جنيف. وما بقي من النقط في القرار عادية يتم الإشارة إليها في القرارات السابقة.

لماذا تعاكس الموزنبيق المغرب في هذه القضية؟

الموزنبيق تنتمي إلى المحور التقليدي المعادي للوحدة الترابية للمملكة منذ مدة، الذي كان يضم نيجريا قبل أن تنضم إلى الحياد وإلى دعم العملية السياسية، بعدما تمكنت الدبلوماسية الملكية التي تعتمد على الانفتاح ولو على ألذ الخصوم في إطار اقتصادي. وتمكن المغرب من كسر هذه الحلقة التي كانت تضم الثلاثي الجزائر- جنوب افريقيا- نيجريا.

الموزنبيق كانت محسوبة دائما على هذا القطب الذي يضم إلى جانب الثلاثي المذكور، مجموعة من الدول الإفريقية اﻷﻧﺠﻠﻮﺳﻜﺴﻮﻧﻴﺔ التي كانت تعادي وحدة المغرب الترابية، وبالتالي فإن تصويت الموزنبيق ضد القرار الأخير بمجلس الأمن، بحيث أصبحت متطرفة أكثر من الجزائر التي لم تصوت على القرار ولم تمتنع عن القرار ضد القرار.

تصويت الموزنبيق مفهوم ولا يشكل أي إضافة نوعية للحلف الأخر، لأن هذا الصوت محسوم منذ البداية لصالح الطرح الانفصالي الذي يعتنق قناعة دعمه.

ما تبقى من هذا الحلف وهذه الدول، التي ليست لها القوة الكافية، الذي تمكن المغرب من اختراقه، يحتاج رغم ذلك، لدبلوماسية نشيطة ما تبقى من هذه الدول البسيطة، ليست لها قناعة راسخة، بل تشتغل بمبدأ المصالح ومن يدفع أكثر.

ما العمل الذي يجب أن يقوم به المغرب لاستمالة هكذا دول؟

المقاربة التي يشتغل عليها المغرب أحادية الجانب والتصور، ترتكز على حشد دعم دولي لمبادرة الحكم الذاتي، إذا كان هذا هو الاهتمام والغاية، فإن الوسائل والطرق والخطط يجب أن تكون كاملة متعددة ومختلفة، لأن حشد الدعم الدولي للمبادرة لا يجب يكون مقاربة بل إستراتيجية، تعتمد على وسائل وتحديد أولويات وأهداف متعددة، منها الاشتغال على اختراق مجموعة من الدول التي تشكل الحصن الأخير لأطروحة الانفصال بما فيها دول الموز هاته السهلة المنال، ويمكن في إطار كسر هذه الحلقات أن تشكل نوعية. هناك دينامية دولية يشتغل عليها المغرب نعم.

هناك دول كبرى خلفها مجموعة وتشكل قاعدة خلفية لانطلاق المغرب، لكن هذا لا يمنع من أن يشتغل المغرب على الانفتاح على دول أخرى، منها الحلف الانجلوسكسوني مثل موزنبيق وغيرها والتي أصبحت معدودة في القارة الإفريقية، ومتاح للدبلوماسية المغربية أن تنجح في استمالة مواقفها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
غزاوي
المعلق(ة)
6 نوفمبر 2024 10:54

مجرد تساؤل.
كم من صفعة تلقاها المغرب !!!؟؟؟
جاء في المقال ما نصه:
“لقد تلقت الجزائر صفعة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تلتفت لمقترحاتها المتجاوزة، وصفعة ثانية من روسيا عندما أخذت مسافة من التحركات الجزائرية التي اختارت التصويت بالامتناع” انتهى الاقتباس
وتلقى المغرب صفعتبن من روسيا، لأن امتناعها عن التصويت جاء ردا على رفض تحديد طرفين النزاع بالاسم، ولما طالبت بسحب ملف الصحراء من أمريكا.
وتلقى المغرب صفعتين من حليفته أمريكا، التي تجاهلت تغريدة ترامب التي قايضها بالتطبيع، وتجاهلها الموقف الفرنسي الجديد.
وتلقى المغرب الصفعة الثالثة من ماكرون نفسها، لأنه لم يفعل شيئا لتمرير موقفه الجديد الذي باعه للمغرب مقابل 10 ملايير دولار.
وتلقى المغرب أربع صفعات من مجلس الأمن:
1- جدد ثيقته في دي ميستورا الذي روج المغرب لفشله واستقالته.
2- مطالبته بالإسهاب في عرض تفاصيل “الحكم الذاتي”.
3- القرار ذكر 3 مرات “الموائد المستديرة” في فقرة واحدة (الرابعة) فقط في حيثياته، في سياق حديثة عن جولات الحوار السابقة.
4- القرار لم يذكر ولا مرة واحدة مبادرة “الحكم الذاتي”.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x