لماذا وإلى أين ؟

أحلام مؤجلة… في جمعة سحيم (جزء الأول)

نبيل افريدي

في قلب عبدة، حيث تمتد الأراضي باللون الأسود والحزن فيها على مدّ البصر بدون ماء تنتظر السماء لتسقيها في كل موسم حرث وتدخل البهجة على محيها باللون الأخضر وتختبئ الحكايات بين أزقة أحياءها من حي ولاد علي إلى دوار ولاد بوصالح مرورا بأول حي وأقدمهم حي زمران وسوقها الأسبوعي الصاخب، ترقد جمعة سحيم كمدينة متعبة، منهكة. مدينة تبدو كأنها ما زالت عالقة في زمن قديم،

في زمن متوقف أو ربما توقف بها الزمن في عصرٍ ما لا نعرفه ولم نحدد وقته .لا قطار يصلها، لا محطة حافلات بها ولا مشروع كبير ينهض بها وبأبنائها، ولا ملامح تنمية تعيد الأمل لها ولساكنتها. الأرصفة مهترئة، الشوارع متربة، الطرق المحفرة والمباني باهتة بلا روح، كأنها شاهدة على أحلام مؤجلة جيلاً بعد جيل.

يتحدث الناس عن مشاريع لم ترَ النور، ومشاريع مظلمة رغم وجودها وعن وعود تُلقى في مواسم انتخابية ثم تتبخر مع غبار السوق الأسبوعي. الشباب يهاجرون، بعضهم نحو المدن الكبرى بحثاً عن عمل، وبعضهم إلى الضفة الأخرى بحثاً عن حياة أكثر عدلاً، بعضهم تُعرقل مشاريعهم لأسباب لا أحد يعلمها إلا هم. وتبقى المدينة مثل جسد حيّ بلا نبض، تنتظر يدًا ترفع عنها الغبار وتمنحها معنى.

في المقابل، على بُعد آلاف الكيلومترات، تقع مدينة كيمارتش( Guimarães)في شمال البرتغال تبعد على مدينة بورتو بساعة تقريبا، مدينة صغيرة في دولة ليس كباقي الدول الاروبية الحد الادنى لأجرها لا يتجاوز 870 أورو تحمل لقب “مهد الأمة البرتغالية”. لكنها لم تكتف بماضيها التاريخي العريق، بل جعلت منه رافعة تنموية. شوارعها مرصوفة بعناية، مبانيها التاريخية مرممة كلوحات فنية، والمجال العام مُهيأ ليستقبل الزائر والمواطن بالاحترام نفسه.

في كيمارتش (Guimarães)، لا تُؤجَّل الأحلام مثل جمعة سحيم . هناك، الثقافة ليست شعاراً بل واقعاً: مسارح، متاحف، فضاءات عمومية خضراء، مسابح ،مساعدات لشباب للقيام بمشاريع ليس كواقعنا العرقلة من أجل العرقلة ، ومشاريع مبتكرة جعلت المدينة تُصنَّف ضمن التراث العالمي لليونسكو. التنمية ليست وهماً بل مساراً متدرجاً، يعكس وعياً جماعياً بأن المدينة ليست مجرد جغرافيا، بل كيان يصنع الكرامة ويمنح الأفق.

المقارنة بين جمعة سحيم و ومدينة كيمارتش (Guimarães ) كما هو مكتوب في ساحتها “هنا ولدت البرتغال” مؤلمة، لكنها ضرورية. فهي تضعنا أمام حقيقة ساطعة :التنمية ليست مسألة موارد فقط، بل مسألة إرادة، رؤية، وحسن تدبير. فجمعة سحيم تمتلك تاريخاً، موقعاً، وطاقات بشرية،وموارد مادية لكنها تفتقر إلى مشروع جماعي يعيد صياغة حاضرها ويرسم ملامح مستقبلها.

أمام هذا التناقض، يبقى السؤال معلقاً: متى تتحول الأحلام المؤجلة في جمعة سحيم إلى واقع ملموس؟ متى نرى مدينة تُعيد أبناءها بدل أن تدفعهم إلى الرحيل؟ متى تصبح الأرصفة أماكن للعب الأطفال بدل أن تبقى مسرحاً للغبار والحفر؟

إلى ذلك الحين، ستظل جمعة سحيم حكاية ناقصة، مدينة تنظر من بعيد إلى مدن أخرى بنظرة الحسرة على حالها وحال أبناها.
الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
ma liberté de penser
المعلق(ة)
2 سبتمبر 2025 18:39

Allez visiter une commune qui s’appelle Bouadel loin de taounate de 22 km C’est un un Paradis défiguré par la Pollution de la Population de la commune et aucun parti politique ni home politique n’a osé regarder cette commune verte comme un paradis pollué jaunis par la Pollution et laisser pour compte dans les ruissèlements de ses d’eau Où ils sont jonchées des bouteilles vides, des torchons Bleuâtres , qui flottent, et des habits usés , même des couches bébés qui flottent des abats d’animaux , on dirait une commune de l’âge antique malgré sa source de PARADIS où l’eau jaillissante froide à 22 C d’une montagne JBEL KAYLE de 800 M

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x