لماذا وإلى أين ؟

هل مازلنا في حاجة إلى أحزاب سياسية؟

أثارت مجموعة من الأحداث التي عرفها المغرب مؤخرا والمرتبطة بالشأن السياسي والاجتماعي تساؤل عدد من المتتبعين حول ما إذا كان المغاربة في حاجة لأحزاب سياسية لكي تلعب دور الوسيط والمؤطر والموجه أم وجب البحث عن وسائط أخرى للعب هذا الدور؟

فخلال الاحتجاجات الأخيرة التي عرفتها بعض المناطق من الريف خاصة مدينة الحسيمة وايمزورن وبني بوعياش، اعتبر المحتجون أن الأحزاب أصبحت جزء من المشكل وليست وسيلة للبحث عن حلول لمشاكل المواطنين، إذ من بين أقوى الشعارات التي رددت خلال جل التظاهرات، شعار يصف الأحزاب السياسية بـ”الدكاكين” وغيرها من الأوصاف الأخرى التي هاجمت هذه التنظيمات ورفضت أي دور لها في ما سمي بـ”حراك الريف”.

والحزب السياسي، بحسب القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية في مادته الثانية هو “تنظيم سياسي دائم، يتمتع بالشخصية الاعتبارية، يؤسس، طبقا للقانون، بمقتضى اتفاق بين أشخاص ذاتيين، يتمتعون بحقوقهم المدنية و السياسية، يتقاسمون نفس المبادئ، و يسعون إلى تحقيق نفس الأهداف”، وتضيف ذات المادة ” يعمل الحزب السياسي، طبقا لأحكام الفصل 7 من الدستور، على تأطير المواطنات و الموطنين و تكوينهم السياسي و تعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية و في تدبير الشأن العام، كما يساهم في التعبير عن إرادة الناخبين و يشارك في ممارسة السلطة، على أساس التعددية و التناوب، بالوسائل الديمقراطية، و في نطاق المؤسسات الدستورية”.

فهل مازالت الأحزاب السياسية تقوم بدورها حسب القانون المنظم لها؟ وما هو الداعي لوجود أحزاب سياسية إذا لم تكن قادرة على لعب الأدوار المنوطة بها؟

حول هذا الموضوع يرى الباحث إدريس الكنبوري، أن “الأحزاب السياسية جزء من الدولة الحديثة”، معتبرا أن “أي دولة تنحو نحو الديمقراطية وبها حياة سياسية لابد لها من أحزاب سياسية لكون الحاجة إلى هذه الأخيرة هي حاجة دائمة”.

ويضيف الكنبوري في تصريح للموقع الإلكتروني ” آشكاين”، “أن السؤال الآن هو أي نوعية من الأحزاب السياسية نريد؟” مردفا ” فالأحزاب السياسية المغربية الآن فقدت كثيرا من المصداقية عند المواطنين والناخبين وظهرت في العديد من المناسبات والمحطات السياسية أنها غير مؤهلة لقيادة المواطنين وتمثيلهم تمثيلا جيدا وأساسا لتأطير المواطنين”.

ويتابع ذات الباحث قائلا: “أدوار الوساطة والتأطير التي يجب أن تقوم بها هذه الأحزاب أخفقت فيها من خلال مجموعة من المحطات في السنوات الأخيرة إذ لاحظنا في عدة مناسبات أن الشارع يتجاوز الأحزاب السياسية، والحال أن الأخيرة هي التي يجب أن تكون في طليعة الشارع وهي التي تقود المواطن وتؤطره وتؤطر احتجاجاته “، مشيرا (الكنبوري) إلى أن “الملاحظ الآن هو أن الاحتجاجات التي تقع بالمغرب تظهر غضبا من الدولة وغضب كذلك من الأحزاب السياسية، وعدم الإيمان بهذه الأخيرة، والأحداث التي وقعت بالريف دليل قاطع على هذا الأمر، لأن الجماهير خرجت تحتج ولا تريد أي حوار مع الأحزاب السياسية، بل ووصفتها بكونها مجرد دكاكين، وهذه مشكلة سقطت فيها الأحزاب بسبب فقدانها للمبادرة والقدرة على التأطير ولكونها سقطت في نوع من الفساد لأنها فرزت مجموعة من الظواهر مثل الانتهازية والمحسوبية والزبونية والتسلق الطبقي، فأصبح الحزب السياسي الآن بمثابة مقاولة والناس ينخرطون فيه من أجل مصالح شخصية”.

ما الداعي إلى أحزاب سياسية إذا كان الشارع تجاوزها ولم تعد تقوم بأدوارها المنوطة بها؟ يسأل “آشكاين” الكنبوري، فيجيب هذا الأخير بكون الداعي إلى الأحزاب السياسية هو “وجود دولة حديثة”، مستدركا ” لكن على الأحزاب السياسية الموجودة الآن القيام بنقد ذاتي وإعادة بناء نفسها من جديد، وأن تفتح أبوابها للشباب والنخب الجديدة التي لها مصداقية لأن النخب الموجودة حاليا بالأحزاب القائمة كثير منها فقد المصداقية لدى الرأي العام”، مشددا على أن “المواطنين ليسوا غاضبين من الأحزاب السياسية في حد ذاتها كأحزاب وإنما غاضبون من نوعية الأحزاب الموجودة الآن، فعندما يرى المواطن الأحزاب تركض وراء المقاعد البرلمانية ووراء المناصب الوزارية والمناصب السامية وأن يصبح هذا الأمر هو شغلها الشاغل ولا تظهر عند المواطنين إلا كل خمس سنوات، عند كل محطة انتخابية، ومقراتها دائما مغلقة.. فهي تشجع وتنشر نوعا من الاستياء والإحباط لدى المواطنين، زد على ذلك غياب المشاركة السياسة، فيما يسمى بالعزوف السياسي يتزايد بشكل كبير وكل هذا راجع لكون المواطن لم يعد مؤمنا بهذه الأحزاب السياسية”.

وحول ما إذا كانت هذه الأحزاب السياسية قد أصبحت تشكل عائقا نحو المشاركة السياسية للمواطنين في الحياة العامة؟ يقول متحدث “آشكاين” :”طبعا تشكل عائقا، فهي أصبحت مقاولة وزوايا مغلقة لفئة وجماعة من النافذين والانتهازيين الذين يقبضون بزمام الأمور داخل هذه الأحزاب السياسية، يغلقونها في وجه الشباب والنخب الجديدة وحتى عندما ينخرط الشباب في الأحزاب فمن الصعب عليهم أن يصنع له مكانا داخلها، بناء على تيارات أو شبكات من المصالح داخل الحزب نظرا لغياب ديمقراطية داخلية حقيقية “.

ماذا عن النموذج الفرنسي؟ ألم يصل ماكرون إلى رئاسة الجمهورية من دون أن يكون له حزب بل وعلى حساب أحزاب تقليدية فرضت هيمنتها فترة طويلة؟ سؤال آخر وجهه “آشكاين” للكنبوير، فكانت إجابته “فرنسا بها أحزاب سياسية وبها مجتمع مدني نشيط والرئيس إمانويل مكرون صعد إلى رئاستها عن طريق حركة تنتمي إلى المجتمع المدني، لكن في إطار وجود أحزاب، وهذا أمر ممكن حدوثه حتى في المغرب، لكن هذا الأخير به مشكل المجتمع المدني كذلك، فهل هذا المجتمع المدني حاضر بشكل قوي؟ وهل استطاع فرز نخب من المثقفين ووجوه جديدة؟ الجواب أن جزء كبيرا من المجتمع المدني المغربي هم الموجودون في الأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية والجمعوية التي هيمنت عليها الأحزاب وأغلقت الأبواب أمام كل شيء”.

من جهته يقول أستاذ العلوم السياسية بكلية المحمدية ورئيس حزب “الديمقراطيون الجدد” محمد ظريف: ” إن أي دولة تريد أن تكون دولة حديث لا يمكن أن تستغني عن الأحزاب السياسية”، مضيفا ” إذا رجعنا إلى الدستور المغربي الجديد نجد في ديباجته إشارة واضحة إلى أن المغرب يسعى إلى بناء دولة حديثة ويخصص (الدستور) سبعة مقتضيات في فصله السابع للحديث عن الأحزاب السياسية، وطبعا الكل متفق على أنه لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية بدون أحزاب سياسية وفي كل التجارب السياسية هناك ملاحظات أو مؤاخذات توجه لبعض التنظيمات السياسية أو الاجتماعية”.

ويقول ظريف في حديث لـ”آشكاين”، “هل كون أن هناك أحزاب فاقدة للمصداقية أو لا ترغب في القيام بدورها الموكول لها دستوريا وخاصة على مستوى تأطير المواطنين، فهل هذا القول يدفعنا إلى القول بإعدام الأحزاب؟ ما ينبغي أن يطرح هو ضرورة مطالبة هذه الأحزاب للقيام بدورها”.

وبخصوص دور الأحزاب في حراك الريف يتساءل المتحدث نفسه “عمن قال إن الأحزاب لم تقم بدورها في هذا الحراك؟” موضحا أن “المؤسسة الملكية لها دورها والأحزاب السياسية لها دورها ولا يجب الخلط بين دوريهما”، مبرزا أن “الأحزاب السياسية تقوم بتأطير المواطنين وتمثيلهم أما بخصوص المؤسسة الملكية، فالملك ووفقا للفصل 42 من الدستور هو رئيس الدولة وضامن وحدتها واستمرار مؤسساتها ولا يمكن أن نقول إنه إذا قامت الأحزاب بدورها فيما وقع بالريف لما تدخل الملك “.

“هناك أزمة تعيشها الأحزاب”، يقول ظريف ويتابع “و هذا لا يعني الدعوة لقتلها (الاحزاب)، وعندما تجد حزبا مثل التقدم والاشتراكية يصرح بكونه سيستمر في الحكومة لكونه تلقى توجيهات، فهذا الحزب له كامل السيادة والصلاحية في أن يأخذ بهذه التوجيهات أو لا، والدليل أن هذا الحزب عندما يعرب عن رغبته في الاستمرار في الحكومة نجد أمينه العام ينتقد بشكل غير مباشر قرارات الملك فيما يتعلق بإعفائه، بمعنى أنه لم يقل إنه موافق وبارك قرارات الملك كما فعل امحند العنصر الأمين العام لحزب الحركة الشعبية”، حسب تعبير ظريف.

ويؤكد أستاذ العلوم السياسية على أنه “يجب استحضار شيئين؛ الأول هو أنه منذ ظهور الأحزاب في المغرب، خاصة بعد الاستقلال، وهي عرضة للانتقادات بكونها أحزاب إدارية مخزنية، فحتى الاتحاد الاشتراكي وفي أوج قوته كانت هناك انتقادات وانشقاقات داخله، فالحديث عن أزمة الأحزاب أو بعض المؤاخذات فهي ليست حديثة”، أما المسألة الثانية التي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار”، بحسب ظريف هي “من له مصلحة في تبخيس وترويج صورة سلبية وسيئة عن الأحزاب السياسية فكلما وقع شيء ما في المغرب يُترك المسؤول الحقيقي عنه ويتم توجيه الاتهام إلى الأحزاب السياسية”، مضيفا “وحتى إذا لم تقم الأحزاب بدورها مثلا فيما يتعلق بالريف يجب أن نتساءل ما هو السبب الذي جعلها لم تقم بدورها في الوساطة؟ فعندما يقول شخص إن الأحزاب دكاكين سياسية فهذا ليس قرآنا منزلا، ومسألة الدكاكين والمقولات السياسية فهي مسألة ليست جديدة منذ الثمانينات ونحن نصف الأحزاب بهذه الأوصاف”.

وبخصوص ما حصل في فرنسا ووصول إمونويل ماكرون إلى الحكم عن طريق حركة وليس حزي يقول متحدث “آشكاين”: ” نعم ماكرون وصل عن طريق حركة لكنها تشتغل وفق قانون الأحزاب الفرنسية، لكن الحركات الاجتماعية تشتغل بمنطق يختلف عن المنطق الذي تشتغل به الأحزاب السياسية ورغم إلحاقه هزيمة بأعرق الأحزاب كالحزب الاشتراكي فلا أحد في فرنسا قال بأن هذا الحزب يجب أن يذهب إلى حال سبيله بل قياداته والمتعاطفون معه طالبوا بضرورة إصلاح آلياته”.

ومما سبق يتضح أنه لا مناص من وجود أحزاب لبناء دولة حداثية ديمقراطية لكن الأحزاب السياسية المغربية بشكلها الحالي أصبحت تشكل جزء من المشكل مما استوجب ضرورة قيامها بنقد ذاتي وتغيير جذري في آليات اشتغالها وقنوات تواصلها وتأطيرها للموطنين .

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
سعيد
المعلق(ة)
1 فبراير 2018 04:13

الديمقراطية في حاجة إلى أحزاب مؤطرة وفاعلة وليس إلى عصابات منظمة

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x