2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
فنانون وفقهاء ضد “دعاة اليوتيوب”.. قصة الفنان صالح الباشا بعد الموت تثير الجدل

كما خلق الجدل في حياته، أثار الشاعر والفنان الراحل صالح الباشا عاصفة جديدة بعد وفاته، جدل تخطى الحزن المعتاد على فنان محبوب، ليصل إلى حرب مفتوحة بين الفنانين وما يُعرف بـ”دعاة اليوتيوب”، هؤلاء الذين يصرّون على محو إرثه الفني بدعوى “التوبة عن الغناء” واعتباره معصية.
الباشا، الذي وهب فنه لقصة حب قهرها الفقر وتسلط عائلة محبوبته، وجد نفسه هدفاً، حتى بعد وفاته، لحملات “تكفيرية” يقودها عدد من “الدعاة الرقميين” الناطقين بالأمازيغية، والذين دعوا علناً إلى حذف أغانيه من المنصات الرقمية و”محو أثاره” على أمل “التخفيف من حسابه في القبر”، على حد تعبيرهم.
هذه التصريحات لم تقف عند حدود الرأي، بل دفعت أفراداً من عائلته إلى حجب قناته الرسمية على اليوتيوب، ما أثار موجة غضب عارمة داخل الأوساط الفنية، حيث اعتبر فنانون ونقابات أن ما قُدمه الباشا من أعمال لا يعود فقط لعائلته، بل هو إرث ثقافي وفني أمازيغي ملكٌ لكل الشعب، ولا يحق لأي جهة مسحه تحت أي ذريعة.
وفي خطوة رمزية حملت دلالة قوية، خرجت الفنانة والبرلمانية السابقة فاطمة تبعمرانت عن صمتها بفيديو مؤثر، أكدت فيه أن الفن رسالة، وأن من يعتبره ذنباً فـ”أنا متشبثة به ولو كان إثماً”. وأضافت: “لن أسامح لا عائلتي ولا أي جهة إذا تمسح حرفاً من رصيدي الفني، فهذا ليس مجرد غناء، بل نضال وهوية وقضية ناضلت من أجلها لعقود”.
تبعمرانت، التي كانت من بين أوائل المدافعين عن القضية الأمازيغية فنياً وسياسياً، رأت في محاولة محو آثار الباشا طمساً لذاكرة فنية أمازيغية، وحرماناً للأجيال القادمة من التعرف على رموزها الثقافية.

في المقابل، اختار فقهاء سوس، الذين يُعرفون برزانة خطابهم، الرد بلغة مغايرة، إذ شهدت منطقة سوس تنظيم “سلكة قرآنية” ضخمة، حضرها المئات من الفقهاء، حيث أقيمت “الختمة الجماعية” ترحماً على روح الراحل، في رسالة واضحة مفادها أن الفن ليس بالضرورة خروجاً عن الدين، بل يمكن أن يكون مكملاً للهوية.
وأعاد هذا المشهد فتح النقاش المزمن في المغرب بين حرية التعبير الفني والتأويلات الدينية المتشددة التي وجدت في منصات التواصل أرضاً خصبة للانتشار. كما أعاد إلى الواجهة سؤال: من يملك حق تقرير مصير إرث فني ما؟ هل هو العائلة؟ الجمهور؟ أم الذاكرة الجماعية التي تحفظ للفنانين مقامهم بعد رحيلهم؟
من جهة أخرى، من الأكيد أن صالح الباشا، حتى في غيابه، أحيا نقاشاً عميقاً حول حدود الفن وحرية التعبير وملكية الإبداع، وهو النقاش الذي لا يبدو أنه سيخمد قريباً.
