2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

يُسلّط تقرير موضوعاتي صادر عن قطب القضاء المدني التابع للمجلس الأعلى للسلطة القضائية الضوء على ظاهرة الأحكام الغيابية في القضايا المدنية، الاجتماعية، والعقارية، مقدما تحليلا دقيقا للمبررات الكامنة وراء ارتفاع نسبتها وتداعياتها على سير العدالة. التقرير، الذي اعتمد على معطيات إحصائية وعينة من الأحكام الصادرة خلال عام 2024، يهدف إلى المساهمة في الارتقاء بفعالية منظومة العدالة وضمان شروط المحاكمة العادلة، لاسيما مبدأ البت في القضايا ضمن آجال معقولة.
ارتفاع مقلق في الأحكام الغيابية: أرقام تكشف الواقع
كشفت الإحصائيات الواردة في التقرير عن ارتفاع ملحوظ في عدد الأحكام والقرارات الغيابية، حيث بلغت 48,256 حكماً وقراراً خلال عام 2024، ممثلة نسبة 6.16% من إجمالي القضايا المحكومة، هو ما يشكل زيادة كبيرة مقارنة بعام 2023، الذي سجل 35,639 حكماً غيابياً (4.20%). وتتصدر المحاكم الابتدائية النسبة الأكبر من هذه الأحكام بواقع 46,170 حكما، بينما بلغت في محاكم الاستئناف 2,086 قرارا.
وتوضح المعطيات أن قضايا المدني المتنوع تستحوذ على النصيب الأكبر من الأحكام الغيابية بنسبة 79.71%، تليها القضايا الاجتماعية بنسبة 7.47%، ثم المدنية الرئاسية بـ 7.01%، وأخيرا القضايا العقارية بـ 5.81%. كما يكشف التقرير أن أكثر من نصف الأحكام الغيابية (50.42%) صدرت خارج الآجال الاسترشادية، مما يثير تساؤلات حول فعالية الإجراءات المتبعة.
مبررات صدور الأحكام الغيابية: تعقيدات وتحديات
حدد التقرير عدة مبررات رئيسية لصدور الأحكام غيابيا، تكشف عن تحديات بنيوية وإجرائية تؤثر على سير العملية القضائية، من أبرزها تعذر التبليغ بصفة قانونية، حيت يعد هذا السبب الأكثر شيوعا، حيث يعود الاستدعاء بملاحظات مثل “انتقل”، ما يعني عدم العثور على المدعى عليه في العنوان المختار أو مقر عمله، الأمر الذي يمنع إتمام إجراءات التبليغ بشكل قانوني ويؤدي إلى إصدار الحكم غيابياً لعدم اكتمال شروط الحضور.
من المبررات الأخرى نجد، تغيب المدعى عليه رغم التوصل، حيت أنه في بعض الحالات، يتوصل المدعى عليه بالاستدعاء بصفة قانونية، لكنه يتغيب عن جلسات المحاكمة، سواء شخصياً أو بواسطة وكيله، في هذه الحالة، يصبح الحكم غيابيا بموجب القانون، نظرا لغياب الطرف المعني رغم إعلامه بالمواعيد القضائية.
كما يصدر الحكم غيابيا كذلك لعدم حضور المحامي والإدلاء بالمذكرة الكتابية، لأنه في بعض أنواع القضايا، لا سيما تلك التي تتطلب التمثيل بواسطة محام، قد يصدر الحكم بعدم قبول الدعوى غيابيا إذا لم يحضر المحامي، أو لم يدل بالمذكرة الكتابية المطلوبة في الآجال القانونية، وهو إجراء يهدف إلى ضمان جدية التقاضي واحترام الإجراءات الشكلية.
وفي بعض القضايا، كما هو الحال في بعض قضايا حوادث السير، قد يتم إصدار حكم غيابي ضد المسؤول المدني دون تبليغه بالاستدعاء، هذه الحالات تشير إلى قصور في إجراءات التبليغ الأولية أو إغفال لبعض الأطراف المعنية بالقضية.
كما يشير التقرير إلى حالات يتم فيها إصدار حكم غيابي على الرغم من توصل المدعى عليه شخصيا بالاستدعاء، وهو ما يتناقض مع مقتضيات الفصل 47 من قانون المسطرة المدنية، الذي ينص على أن الحكم يُعتبر حضوريا إذا توصل المدعى عليه بالاستدعاء شخصيا، هذا التناقض يستدعي مراجعة دقيقة للممارسات القضائية لضمان التطبيق السليم للقانون.
توصيات لمواجهة التحديات
لمواجهة هذه التحديات والحد من ارتفاع نسبة الأحكام الغيابية، قدم التقرير عدة مقترحات مهمة، من قبيل، ضرورة مراجعة الإطار القانوني للتبليغ وتطوير آلياته لضمان فعاليته وسرعته، وتشديد الرقابة على الأحكام الغيابية لضمان احترام كافة الضوابط القانونية والإجرائية، بالإضافة إلى تطوير وتحديث النظام المعلوماتي القضائي لتحسين تتبع القضايا وتسهيل إجراءات التبليغ.
كما يوصي التقرير بتعزيز التكوين والتوعية من خلال تكثيف برامج التكوين والتوعية للقضاة والمساعدين القضائيين حول الأحكام الغيابية وأهمية احترام الآجال الاسترشادية وحق الدفاع.
يُعد التقرير بمثابة دعوة جادة لإعادة النظر في الإجراءات المتعلقة بالتبليغ وتطبيق الأحكام الغيابية، بهدف تحقيق توازن دقيق بين سرعة البت في القضايا وضمان حقوق الدفاع لكل الأطراف، بما يرسخ مبادئ المحاكمة العادلة ويزيد من ثقة المتقاضين في منظومة العدالة.