لماذا وإلى أين ؟

التيجيني يكتب: هل يُنصف خطاب العرش الأخير المغرب الشرقي؟

250X300 Ministre taransition mobile

في خطابه بمناسبة عيد العرش لسنة 2025، جدد الملك محمد السادس التأكيد على مركزية العدالة المجالية، كمدخل أساسي لتقليص الفوارق وتحقيق التنمية المتوازنة، في أفق بناء مغرب حديث ومتوازن. خطاب ملكي وطني، يحمل رسائل قوية للحكومة، ويعكس رؤية استراتيجية واضحة، خاصة في سياق الاستعداد لتنظيم مونديال 2030. غير أن صدى هذا الخطاب لا يلبث أن يتوقف عند عتبة الواقع الصادم الذي تعيشه الجهة الشرقية، حيث يعلو صوت التهميش فوق كل المشاريع.

بينما يشهد الغرب المغربي دينامية تنموية غير مسبوقة، من طنجة إلى أكادير، مرورا بالدار البيضاء، فاس، مراكش، ثم امتدادا إلى الأقاليم الجنوبية مع ميناء الداخلة الأطلسي والمشاريع اللوجستية والطاقية، لا تزال الجهة الشرقية تعاني من واقع باهت. مشهد تنموي متسارع في الغرب، يقابله زمن معطوب في الشرق.

هل يعقل أن يتوقف الخط السككي فعليا عند فاس، ويستكمل إلى وجدة بمحرك الديزيل؟ هل من المعقول أن يضطر القطار للتوقف في الخلاء في انتظار مرور نظيره، في بلد يشيد أسرع القطارات في القارة؟ إنها مفارقة تختزل اختلالات العدالة المجالية.

وإذا كانت مدينة وجدة لا تزال تحاول الحفاظ على دورها كقاطرة جهوية، فإن أقاليم بأكملها في الجنوب الشرقي، من بوعرفة إلى فكيك، تعاني من تهميش مركب. لا مشاريع استثمارية حقيقية، لا بنى صحية أو جامعية تليق بالساكنة، ولا حتى برامج اجتماعية تعوضهم عن آثار الحدود المغلقة منذ عقود. فالمنطقة تدفع ثمن الموقع الجغرافي، وتتحمل كلفة السياسات الصامتة.

ثم يأتي الجفاف ليزيد الطين بلة. إقليم بركان، المعروف بكونه رئة فلاحية للجهة، بات يواجه موسما بعد آخر خطر الانهيار الفلاحي. الحمضيات والزراعات الكبرى تختنق، ومشاريع تدبير الندرة المائية غير كافية، والنتيجة نزيف سكاني وهجرة مقنعة نحو المدن الكبرى أو الخارج.

أما السعيدية، التي وعدت بأن تتحول إلى “ماربيا” مغربية، فلا تزال رهينة الإهمال الموسمي، ورداءة الخدمات، وضعف الاستثمار، وغياب رؤية ترويجية. حتى الجالية المغربية، التي تعود كل صيف بحثا عن دفء الوطن، بدأت تهجرها نحو وجهات أكثر احترافية وجاذبية.

صحيح أن هناك بعض المبادرات، كتوسعة مطار وجدة-أنكاد والناظور-العروي أو ميناء الناظور الجديد أو الطريق السيار نحو كرسيف، لكنها تظل مشاريع معزولة، تفتقر للربط والتناغم والروح المندمجة. في المقابل، نرى بفخر واعتزاز ميناء الداخلة الأطلسي يبنى ضمن رؤية شمولية تشمل البنية اللوجستية، والنقل، والطاقة، والاستثمار البحري.

فهل يكون خطاب العرش مناسبة لرد الاعتبار للجهة الشرقية؟ هل تتحول الرسائل الملكية إلى سياسات حكومية فعالة؟ أم أننا سنظل أمام خريطة تنموية بثلاث سرعات: تنمية غربية تتقدم، تنمية جنوبية تتدارك، وتنمية شرقية.. تنتظر؟

إن ما تحتاجه الجهة الشرقية ليس وعودا حكومية جديدة، بل عقدا تنمويا استثنائيا يعيد إدماجها في المشروع الوطني. عقد يتضمن تثنية وكهربة الخط السككي من فاس إلى وجدة، وتدابير حقيقية لمواجهة الجفاف، وهيكلة السياحة بالسعيدية، والمناطق الساحلية المجاورة، ودعم استثماري للأقاليم الحدودية، ومراجعة الإجراءات الجمركية بالمعابر الشمالية، وخلق مناطق حرة وأقطاب جامعية وصحية جاذبة.

فالعدالة المجالية، كما شدد عليها جلالة الملك في خطاب العرش الأخير، ليست مجرد شعار سياسي أو مطلب جهوي، بل ركيزة أساسية لبناء مغرب موحد، متضامن، ومتوازن. وإذا كان “مغرب 2030” يراهن على التنمية الشاملة لربح رهانات المستقبل، فإن إنصاف الجهة الشرقية لم يعد ترفا مؤجلا، بل أولوية وطنية ملحة وضرورة استراتيجية عاجلة. فالتهميش المستمر لا يراكم فقط التأخر التنموي، بل يغذي شعورا متناميا بالإقصاء قد يحدث شرخا في الثقة الوطنية، يصعب تداركه إن استمر الصمت وتكرست اللامبالاة.

600X300 Ministre taransition mobile

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
منصوري محمد
المعلق(ة)
3 أغسطس 2025 08:13

شكرا لك على تناول هذا الموضوع ،لقد كنت من الاوائل الذين تابعوا الى العدالة المجالية هذه السنة وكنت محقا.

توفيق
المعلق(ة)
2 أغسطس 2025 23:48

كلام صاءب و مقال في محله. جاء في الوقت المناسب. ضرورة تعاقد جديد يشمل حوافز تنموية و روءية متجددة حول الجهة الشرقية.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x