لماذا وإلى أين ؟

تقرير.. جرادة : التنمية في ميزان الواقع (صور)

آشكاين/جواد التلمساني

منذ إغلاق مناجم جرادة في تسعينيات القرن الماضي، وسؤال الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمدينة يردد بقوة؛ أغلقت الشركة (شركة مفاحم المغرب) وأبرمت الاتفاقية الاقتصادية والاجتماعية (سنة 1998)، والتي حسب المتتبعين بثر منها أهم جانب وهو الشق الاقتصادي “البديل الاقتصادي”.
ظلت مدينة جرادة تراوح مكانها في مشوار التنمية، وساكنتها تتطلع بلهفة لواقع مغاير، يضمن حدا أدنى من العيش الكريم.

شكلت آبار الفحم أو “آبار الموت” أو “الساندريات “كما يحلوا لنشطاء المدينة تسميتها، ملاذا لأبناء جرادة، من أجل استخراج بعض الفحم، تحت وقع صوت الموت المفاجئ الذي أودى بحياة العشرات من شهداء “الرغيف الأسود”، في سبيل لقمة عيش يمكنها أن تصون شيئا من الكرامة.

دجنبر 2017، لقي الشقيقان حسين وجدوان حتفهما في “الساندرية” بعد سقوط جدارها عليهما، فانطلقت شرارة “حراك جرادة” مجسدا بمجموعة من الاحتجاجات التي مركزت مطالبها في شعار “البديل الاقتصادي”.

تدخلت السلطات العمومية بمختلف مصالحها المركزية والمحلية على الخط، قصد احتواء الوضع ومحاولة الاستجابة لمطالب الساكنة؛ عقدت العديد من اللقاءات بين مختلف المتدخلين : نشطاء “الحراك”، هيئات نقابية وسياسية ومدنية، في سبيل إيجاد حلول تمكن من إطفاء نار الغضب.

في سيرورة الحراك، اعتقل العشرات من الشباب، بعد مواجهات ما سمي ب “الأربعاء الأسود” (14 مارس 2020)، أفرج عنهم بعدها بعفو ملكي.

مطالب جرادة.

بالرجوع إلى “حراك جرادة” ومختلف الاحتجاجات السابقة له، سنجد بأنها تتمركز حول الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمدينة، ومعاناة أبناءها جراء التهميش والبطالة وغيرها.
يصرح أمين مقلش، ناشط بالمدينة ومعتقل سابق على خلفية “الحراك” ل “آشكاين” : “ عرفت المدينة حركات احتجاجية متنوعة من مقاطعة فواتير الماء والكهرباء بسبب غلاءها، نضالات عمال السيليكوز، المجازين المعطلين…، توجت بعدها بحراك شعبي عبر عن آهات الشعب”.
ويضيف مقلش :” المطالب التي رفعتها الساكنة إبان الحراك يمكن تلخيصها في النقط التالية :محاسبة الفاسدين من المسؤولين الذين تناوبوا على تسيير الشأن العام بالمدينة، وأباطرة الفحم، كذلك إيجاد حل لمشكل الماء والكهرباء، وهنا المعادلة المتبناة من طرف الساكنة هي : أنا لا أعمل، أنا لا أملك مالا لتسديد الفواتير إذن “ما مخلصينش”، وكلها مطالب مترابطة تلخص في البديل الاقتصادي”.

استغلال الفحم..من العشوائية إلى التنظيم

الفحم ليس مجرد “رغيف أسود” يشكل موردا لعشرات الأسر بالمدينة، بل هو أيضا محور العديد من الأحداث ومحرك العديد من الاحتجاجات وآخرها “حراك جرادة”.
اتسم استغلال الفحم بالعشوائية منذ إغلاق الشركة (شركة مفاحم جرادة)، وتوزعت الآبار العشوائية كالفطر في غابات المدينة، فكان لابد من التفكير في ضبطها وتنظيم استغلالها، وهو ما حاولت القيام به السلطات العمومية منذ 2018.
في هذا الصدد يوضح بونوار بنيامين، أحد عمال “الساندريات” ومسؤول عن تعاونية لاستغلال الفحم ل “آشكاين” : “ أوضاع العمل في الساندريات تغيرت، وأصبحنا نشتغل في إطار القانون عبر التعاونيات، وتم تأسيس حوالي 100 تعاونية، كما أصبح للعاملين في استخراج الفحم، مجموعة من الضمانات تتمثل في التغطية الاجتماعية والتأمين على الحوادث تمكننا من الاشتغال في وضع مريح نسبيا”.

وعن سؤال : ما هي الامتيازات التي تقدمها التعاونيات للعاملين في الفحم؟ يجيب بنيامين : “الامتيازات هي أولا الحصول على رخصة استغلال الفحم من وزارة الطاقة والمعادن، كذلك الاستفادة من العقدة المبرمة مع المكتب الوطني للكهرباء، والتي تمكننا من تسويق ما نستخرجه، وكذلك الإعفاء الضريبي”.

وعن التغيير الحاصل في أثمنة الفحم، يضيف بنيامين :” سابقا كنا نبيع تراب الفحم بحوالي 220 درهم والآن نبيعه ب 620 درهم (5000 كلوري)، أما حجر الفحم كنا نبيعه ما بين 60 و70 درهم للقنطار والآن نبيعه ما بين 100 و 120 درهم”.

هذا، وتهدف السلطات العمومية عبر صندوق دعم الاستثمار الخاص بإقليم جرادة، إلى مزيد من تنظيم استغلال الفحم، عن طريق إنشاء “مجموعة النفع الاقتصادي”، التي ستشكل الهيكل التنظيمي الجامع لهاته التعاونيات، وستمثل المخاطب الرسمي لهم، في جميع الاتفاقيات والدعم العيني والنقدي الذي سيخصص لها (حسب مصادر رسمية).

جهود التنمية..تجربة فريدة

منذ 2018، بدلت السلطات العمومية جهودا كثيرة لتسريع وتيرة التنمية بالمدينة، محاولة التقاط رسائل “الحراك” ومطالبه، وذلك بصياغة “البرنامج التنموي المندمج لجرادة 2018-2020”، وإحداث بالموازاة معه “صندوق دعم الاستثمار بإقليم جرادة” والذي يعتبر حسب مجموعة من الفاعلين تجربة فريدة ونموذجية على الصعيد الوطني.

في هذا الصدد يؤكد حميد مفلح، مدير مكتب الدراسات المكلف بالمواكبة الاجتماعية بجرادة، ل “آشكاين” : “ يشمل برنامج التنمية المندمج لإقليم جرادة ثلاث محاور أساسية :
– خلق بديل اقتصادي عبر الفلاحة، الصناعة وتشجيع الاسثمار، رصد له مبلغ 655 مليون درهم.
– تعزيز التجهيزات الاجتماعية للقرب، رصد له مبلغ مليون درهم.
– التأهيل الحضري والبيئي، رصد له مبلغ 175 مليون درهم”.

وعن سير محاور البرنامج، يوضح مفلح، “ فيما يخص محور البديل الاقتصادي عبر الفلاحة والصناعة وتشجيع الاستثمار، فقد تم تهيئة أربع مناطق للأنشطة الاقتصادية بكل من : قنفودة،جرادة،عين بني مطهر وتويسيت؛ وعلى مستوى المشاريع الصغرى والفردية، فقد تم دعم 20 مهنة ماديا وتقنيا 30٪؜ منهم نساء ( برنامج نشأة)؛ وعلى مستوى استغلال الفحم تم تحويل 105 حرفي منجمي إلى الأنشطة الفلاحية بسيدي بوبكر، كما تم هيكلة الأنشطة المنجمية العشوائية عبر إنشاء 60 تعاونية بكل من جرادة والعوينات (برنامج تجميع)؛ وعلى صعيد المقاولات تم توقيع 52 اتفاقية لإنشاء مقاولات تتراوح نسبة إنجازها بين 50 و70 بالمائة، ستمكن من إحداث 2088 منصب شغل (برنامج دفعة)”.

وفيما يخص برنامج توزيع 3000 هكتار من الأراضي الفلاحية، لإحداث مشاريع، فأكدت مصادر رسمية ل “آشكاين”، بأن المصالح المختصة استطاعت تعبىئة فقط 1200 هكتار، ستقسم ب 2.5 هكتار لكل مشروع، ولم تستطع تعبئة الباقي نظرا لمجموعة من الإكراهات منها أساسا الأراضي العرشية، ومشاكل الفرشة المائية.

وعن الجانب الثقافي والاجتماعي،يؤكد مفلح، “ تم الاشتغال على التجهيزات الاجتماعية للقرب بقيمة 38 مليون درهم، مثلا إنجاز مكتب للتكوين المهني وإنعاش الشغل يتوفر على جناح للإيواء بعين بني مطهر بكلفة 26 مليون درهم، أيضا هناك الاشتغال على المرافق التربوية بقيمة 6 مليون درهم، ومنها بناء وتجهيز مكتبة بجرادة ( أنجزت بنسبة 85%)”.

تجدر الإشارة هنا، إلى أن نشطاء“الحراك”والمعتقلين السابقين على خلفيته، كانوا حاضرين ضمن الفئات المستهدفة من البرنامج، واستفاد العديد منهم من تكوينات حول إنجاز المشاريع والتمكن من بعض المهن، مع حصولهم على منحة تحفيزية شهرية بقيمة 1000 درهم، وهناك منهم من وصل الآن إلى المراحل النهائية من إنجاز مشروعه؛ في مقابل ذلك كان لبعض النشطاء الآخرين موقف آخر وفي هذا السياق يؤكد لمقلش ل “آشكاين” : “ أغلب المعتقلين لم ينخرطون في هذا المسار، وذلك راجع لعدة أسباب تتمثل أساسا في عدم تواصل أي جهة مسؤولة معهم، كما كان هناك إقصاء للعديد من المعتقلين السابقين وأنا شخصيا سجلت في أحد التكوينات المقترحة من طرف الجهات الرسمية، إلا أنه لم يتم استدعائي، كما أن الحلول المقترحة تبقى مجرد فتات ولا تشكل اللبنة الأساسية لما نسميه بالبديل الاقتصادي”.

يبقى واقع مسار التنمية بمدينة جرادة، يعبر عن ديناميكية وحيوية غير مسبوقة في تاريخ المدينة، وربما تعتبر منفردة ونموذجية بالمقارنة مع باقي المدن والأقاليم؛ ويظل عامل الزمن هو الكفيل بالإجابة عن سؤال مدى ملامسة هذا المسار التنموي لتطلعات وحاجيات ساكنة جرادة.

Données Achkayen

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x