2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
أعْــلام من الصحراء: الجُــماني..رئيسُ “الصحراء” الذي ارتدى سِلْهامَ الحـسن الثاني
يسر جريدة “آشكاين” الإلكترونية أن تضع بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة رمضانية تمتح من عبق التاريخ المغربي وارتباطه بمكونه الصحراوي، و تصول و تجول بنا عبر امتداد هذا التاريخ، في الأثر الذي أحدثه قادة وشيوخ و أدباء و سياسيون وأعلام صحراويون في تراتبية هرم السياسة و الثقافة المغربية، من خلال برنامجكم الرمضاني “أعلام من الصحراء”.
ولن تخضع سلسلة ” أعلام من الصحراء” لتعيير كرونولوجي معين، بقدر ما ستحتكم إلى إشعاع العَلَم المُراد تناولُ نفحاتٍ من سيرتِه و تسليطِ الضوء على أهم الجوانب منها، عبر شهادات حية لباحثين أو أقارب أو مهتمين، أو من خلال استقراء التاريخ دون الخضوع لكرونولوجيا معينة في حكي مناقب شخصياتنا.
سنتطرق خلال حلقة اليوم من سلسلة “أعلام من الصحراء“، عن أحد أبرز الأسماء الصحراوية التي تناقلتها الأجيال المغربية شمالا وجنوبا، والذي ارتبط اسمه تاريخيا بجانب النكتة، رغم الدور الدبلوماسي الكبير الذي لعبه طيلة فترات حياته في ترسيخ مغربية الصحراء، إنه خطري ولد سعيد الجماني.
الولادة والمنشأ
سنعتمد خلال حلقتنا حول خطري ولد سعيد الجماني، على ما تواتر حول سيرته، من خلال ما ذكره الباحث محمد باهي في كتابة «خطري ولد سيدي سعيد الجماني الأسد الجريح الذي أنقذ الصحراء مرتين 1957 و 1975.
وحسب ما تواتر عن سيرة خطري ولد سعيد الجماني ابن قبيلة الركيبات، فهو من مواليد سنة 1915 بمنطقة الخصاص في نواحي مدينتي كلميم بين بوزكارن تزنيت، وهو ابن أسرة محافظة، وأمضى جزءاً من طفولته في منطقة لخصاص قبل أن يبدأ في الإنتقال عبر ربوع تراب الصحراء المغربية جنوبا ينتقل عبر الصحراء، حيث عاش طفولته ما بين واد نون وما بين الصحراء عند الحدود الموريتانية.
الجماني وجيش التحرير
تذكر كتب التاريخ عن المقاومة، أن خطري ولد سعيد الجماني، كان من أوائل شيوخ الصحراء الذين ربطوا، مباشرة بعد الإستقلال، الإتصال بجيش التحرير، بل ومنذ سنة 1953، كان ضمن عدد من الشيوخ الذين أقسموا بالوفاء للسلطان بن محمد بن يوسف بعد خلعه عن العرش.
و حسب نفس المصادر، ففي مؤتمر أم الشكاك، قرب العيون، الذي عقد مارس 1956، وتقرر خلاله الإمتناع عن أداء الضرائب للإدارة الإسبانية وإرسال وفد إلى الرباط لبيعة محمد الخامس، كان خطري أول من رفض أداء الضرائب و تزعم حملة تحريض القبائل، كما شارك في الوفد الذي جاء إلى الرباط، ولم يفته أن يعلن امتعاضه من الإتفاق المغربي الإسباني في أبريل 1956 الذي ترك منطقة الصحراء جانبا، وهو إ الذي عبر عنه خطري للسلطان.
كانت للاتصالات التي ربطها خطري و رفاقه، بشكل متواصل، الدور الكبير في تسهيل مأمورية جيش التحرير في الجنوب، في ماي 1956، كانت النواة الأولى للجيش قد وصلت إلى مدينة آقا، وفي 6 يوليوز من نفسه السنة، تمت أول عمليات جيش التحرير في الصحراء، وهي العملية المعروفة بأم العشار، تلتها عمليات أخرى للمقاومة: مركالة، محاميد الغزلان، السويحات، الزمول 1، والزمول 2.
رئيس “الصحراء الإسبانية”
عندما أعلن الإحتلال الإسباني “الصحراء الإسبانية” آنذاك، مقاطعة إسبانية في أبريل 1961، ثم نظمت فيها في 1963 أول انتخابات محلية، انتخب خطري رئيسا “لمجلس المقاطعة”Cabildo ، وعضوا في “الكورتيس” الإسباني عن مدينة العيون.
وذكرت الروايات التاريخية أنه سرعان ما دخل في صراع مع الإسبان منذ منتصف سنة 1965، كانت أوج محطاته رفضه القاطع في يونيو 1966 التوقيع على تصريح إسباني، يتضمن إعلان القبائل الصحراوية تعلقها بإسبانيا، كانت إسبانيا تنوي تقديمه إلى الأمم المتحدة، وحسب نفس المصادر، فإنه في شتنبر من السنة الموالية قاطع خطري تأسيس “الجماعة” الصحراوية، قبل أن يعود إلى رئاستها ابتداء من فبراير 1971.
سبب السخرية من الجماني في النكت
يقول الباحث محمد باهي في كتابة «خطري ولد سيدي سعيد الجماني الأسد الجريح الذي أنقذ الصحراء مرتين 1957 و 1975». إن “خمسين بالمائة من النكت المروية في ذلك الوقت كانت عن أرسلان الجديدي و النصف الآخر كان عن خطري ولد سعيد الجماني”، هو خلافا لما عرف عن الزعيم النقابي وصديقه الصحراوي من النباهة المرتفعة لديهما.
وأجمع متابعون لما تناقلته العامة من سخرية من شخصية الجماني، على أن شخصيته البسيطة وتمرده المتواصل على البروتوكولات التي ترافق السياسيين والقادة، جعلا منه هدفا لصانعي النكت، خاصة مع وضعها في سياق تاريخي حذر.
فمثلا عند الحديث عن الوقوف أمام الملك الحسن الثاني آنذاك، فإن الأمر يتطلب الالتزام بضوابط معينة، إلا ان الجماني وعلى عادة أهل الصحراء كان يتصرف بتلقائية، إلا أن المقربين منه يجمعون أن ما يروى لا علاقة له بحقيقة شخصيته الهادئة وسلوكه الحكيم”.
فمنذ أول ظهور لخطري ولد سعيد الجماني على شاشة التلفزيون حين لقائه بالملك الراحل الحسن الثاني في مدينة أكادير، سنة 1975، ليقدم البيعة نيابة عن الصحراويين، بدأت النكت تُحاك حول شخصية هذا الزعيم الصحراوي، وترسم صورة مغايرة لشخصيته الحقيقية.
وحين خلع الملك الحسن الثاني “سلهامه” تقديرا لموقف خطري النبيل، وسلمه له أمام عدسات المصورين وكاميرات مئات الصحافيين، تناسلت النكت التي لا تعكس الواقع، وحاولت تصوير الرجل في حلة الساذج.
انتقام البوليساريو من خطري
وذكرت روايات ثابتة ومتفرقة أن خطري ولد سيدي سعيد الجماني كان يملك حوالي أربعة آلاف ناقة، قبل استرجاع المغرب لصحرائه، وكان يحرص على أن يرعاها في المناطق الحدودية لكلميم و طانطان، لكنه و حسب ما يروى فإن جبهة البوليساريو قررت الإنتقام منه، بعد البيعة الكبرى للحسن الثاني بأكادير، فاقتادت عناصر من الجبهة نصف عدد رؤوس الإبل وقتلت عددا منها نكاية في الرجل.
وفاة الجماني وعودة زوجته إلى الوطن
ومنذ 3 نونبر 1975 بدأ تاريخ آخر في حياة خطري ولد سعيد الجماني، وارتبط اسمه بالمغرب و قضية الصحراء إلى أن وافته المنية سنة 1993، وعمره 78 عاما.
وعادت زوجته سكينة بنت اللود من معسكرات الإحتجاز بتندوف، بعد مرور خمس سنوات على وفاته، وبعد 30 سنة من الإحتجاز في تندوف، وقد تجاوز عمرها 82 سنة، وهي من أوائل النساء اللواتي تعرضن للإحتجاز، حين عادت إلى العيون عبر الزويرات، كانت الزوجة قد فقدت زوجها وفقدت أيضا نعمة البصر.
الحلقات السابقة: