لماذا وإلى أين ؟

العالمُ السفلي.. قصة “باتشو”من قِيادة قوارب “الفانطوم” إلى إمام مسجد

“العالم السفلي”؛ سلسلة قصصية مشوقة، تفتح من خلالها “آشكاين” لقرائها الكرام نافذة لاستكشاف عالم تجارة المخدرات في شمال المغرب. 

من خلال هذه النافذة، تنقل الجريدة الإلكترونية “آشكاين” لمتتبعيها أحداث مشوقة من عالم التهريب الدولي للمخدرات بعضها ينبش تفاصيل ملفات معروف للعامة وبعضها خفي لا يعرفه إلا المقربون من العالم السفلي لتجارة المخدرات، إضافة إلى قصص أشخاص واكبوا وعملوا مع أكبر البارونات بمناطق الشمال والمغرب.

ضيفنا هذه الحلقة من “العالم السفلي”، رفض أن يحكي أي قصص مثيرة أو مغامرات من فعله في عالم تهريب المخدرات، لكنه فتح لنا قلبه، وحكى لنا كيف تحول من قائد بارع لقوارب “الفانطوم” اعتاد تحدي الأمواج و مرواغة قوارب البحرية والحرس المدني، إلى فقيه مسجد في قرية بسيطة بالريف.

إليكم القصة :

علي (اسم مستعار)، الملقب “بباتشو” لأنه بملامحه وطوله يشبه قليلا بارون المخدرات الكولمبي الشهير “باتشو هيريرا” و بسبب ذلك اكتسب لقبه، نشأ في قرية ساحلية صغيرة شمال المغرب. كطفل، كان يشعر بالفضول تجاه العالم خارج قريته، يحلم بالسفر و اكتشاف أسرار ما وراء حدود قريته . لكن مع التقدم في العمر، بدأ يدرك أن هناك فرصًا قليلة للعيش في القرية، خاصة وأن المبلغ البسيط الذي كان يكسبه كصياد في قارب تقليدي صغير لا يكفي بالكاد لسد الرمق.

كان علي دائمًا ما يسمع شائعات عن أناس يحققون أموالًا طائلة من خلال تهريب مخدر الكوكايين من إسبانيا. في البداية، رفض علي تصديق هذه القصص واعتبرها مجرد شائعات. ولكن مع تقدمه في العمر وتفاقم وضعه المالي، بدأ يفكر بجدية في الانخراط في تجارة المخدرات.

لم يمضِ وقتٌ طويلٌ قبل أن ينضم علي للعمل مع مجموعة من المهربين، ويقوم بنقل كميات كبيرة من المخدرات عبر الحدود من والى إسبانيا. في البداية، كان يشعر بالإثارة والتشويق بسبب مغامرات عمله والأموال السهلة التي كانت تجري بين يديه. لكن مع مرور الوقت، بدأ يشعر بالثقل النفسي لأفعاله.

علي كان يدرك أن ما كان يقترفه خطأ. كان يدرك أنه يساهم في تدمير حياة عدد لا يحصى من الناس، سواء في بلاده أو في إسبانيا. بدأ يشعر بالذنب والخزي حول ما يقوم به، ولكنه لم يكن يعرف كيف يتوقف.

في يومٍ من الأيام، كان علي ينقل شحنة من المخدرات عبر مضيق جبل طارق. انطلق من ضفة صخرية بقرية صغيرة بشمال المغرب، تدعى “واد المرسى”، على متن قارب مطاطي بأربعة محركات، حاملا معه 40 “بالة” من الخيش محملة بمخدر “الشيرا”، كانت تعليماته هو ومرافقه، أن يقوموا بتسليمها لأشخاص بأحد سواحل قادش بإسبانيا، وأن يتسلموا منهم كمية من الكوكايين ويعودوا بها ، رئيس علي، أخبره أنه قام بشراء الطريق في الضفتين ولن يعترض أحد سبيله أو يوقفه و أن العملية مضمونة.

لكن حال دخوله المياه الإسبانية، وجد علي ومرافقه أنفسهم في مطاردة عنيفة من طرف زورقين للحرس المدني الإسباني، انضمت لهماسريعا  مروحية، حمولة ” فانتوم ” الثقيلة صعَّبت على ” باتشو ” مأمورية مناورة مطارديه، خاصة بعدما بدأت الزوارق الإسبانية في الإصطدام به مباشرة بشكل يهدد حياته و حياة مرافقه الذي سقط الى الماء، فقرر الاستسلام، وتم اعتقاله و الزج به في السجن بعد محاكمة سريعة، فالأدلة كلها ضده، ليقضي ثماني سنوات في زنزانة انفرادية باردة و كئيبة .

خلال وجوده هناك، بدأ علي يفكر بجدية في حياته و فيما كان يفعله. تذكر كيف أن الشخص الذي كان يريد أن يصبح في طفولته، شخص يسافر ويستكشف العالم، كان يجلس الآن في السجن بسبب اختياراته الخاطئة.

أمضى علي نصف فترة حكمه في سجن “بويرتو دي سانتا ماريا”، حيث كان يتعرض لاعتداءات كثيرة، إحداها تركته في حالة خطيرة، عندما تعرض لضرب شديد على يد سجين آخر بسبب علبة سجائر، لكن الحقيقة أن السجين تلقى أموالا من طرف بارون المخدرات الذي كان علي يعمل معه، حتى يرسل رسالة واضحة له، إن تحدثت أو ذكرت إسمي في التحقيقات فأنت ميت، وأستطيع الوصول إليك حتى في السجن.

ترك هذا الحادث آثارًا جسدية على علي، ولكن كان له أيضًا تأثيرٌ عميقٌ على حالته النفسية. أدرك علي أنه يعيش في بيئة خطرة ومتقلبة حيث يمكن أن ينتهي به الأمر في القبر وليس الى السجن فقط. فبينما كان يعتقد أنه سيتلقى أموالا ومكافآات لأنه لم يشِ بزعيمه، كان ما تلقاه مكافأة مؤلمة. هنا بدأ علي يفكر في الخيارات التي اتخذها في حياته، والتي أدت به إلى هذا الوضع .

و بينما كان يعالج تداعيات الاعتداء، بدأ علي يفكر في إمكانية تغيير حياته. أدرك أن مشاركته في تهريب المخدرات قد تسببت في إلحاق الأذى والمعاناة بالعديد من الأشخاص، ضمنهم هو بنفسه، كما أقر بالأذى الذي يسببه استخدام المخدرات والمنظمات الإجرامية التي تستفيد منه.

مع مرور الوقت، بدأ علي يقدر مسؤولية أفعاله و يعمل على تحسين فرصه في الخروج من وضعه. انخرط في البرامج التعليمية والمهنية التي تقدمها السجون لتحسين مهاراته ومعرفته. كما شارك في برامج إعادة تأهيل لعلاج مشاكل الإدمان التي كان يعاني منها هو الآخر.

وبالرغم من الظروف الصعبة التي كان يقاسيها، فقد عزم على تغيير وضعه، حال إطلاق سراحه بعد قضائه لعقوبته السجنية، و تم ترحيله إلى المغرب.

عند نزوله في ميناء طنجة، و اتمام إجراءات الأمن، يقول علي غادرت مباشرة إلى قرية صغيرة في الريف. حيث قضى أيامه في المسجد ينام هناك مقابل مساعدة الإمام على تنظيف وكنس المرافق، ولأنه كان حافظا للقرآن الكريم منذ صغره في مسجد قريته، ومع اطمئنان أهل القرية له ولأخلاقه، قرروا عند وفاة الإمام تعيينه إمامًا للصلوات في مسجدهم .

الحلقة الثانية : العالم السفلي.. عصابة “الشطونة” وشقيقه لتهريب البشر والحشيش

الحلقة الأولى : العالمُ السفلي.. هكذا خطط لتصفية النيني بواسطة قاتلٍٍ مأجـــور

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
شكراني محمد
المعلق(ة)
27 مارس 2023 13:08

لقد أفدتمونا كثيرا بهذه المواضيع /القصص الفارغة

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x