لماذا وإلى أين ؟

ثقافة حقوق الإنسان لدى الشباب المغربي

ذ/ الحسين بكار السباعي*

لسنوات مضت، لم يكن الشباب المغربي يجد نفسه في دساتير المملكة، وحتى بالنسبة إلى الترسانة القانونية لم تنزل كما ارادها، ترسانة تؤسس إلى تعاقد إجتماعي شبابي وترسم معالم سياسة عمومية متقدمة في مجال الشباب.

إلى أن حركت احتجاجات الشباب المغربي المياه الراكد مع موجة ما عرف بالربيع الديمقراطي، لقد تتبعنا في تلك المرحلة الصعبة التي إجتاحت العالم العربي، كيف رد الخطاب الملكي ل9 مارس 2011 الإعتبار للشباب وجاء بعد ذلك الدستور المغربي الذي شكل وثيقة التعاقد السياسي الجديد لكل الفاعلين، دستور ساهمت في إعداد مواده كل الفعاليات والهيئات الوطنية، بمقترحات إصلاحية لامست التطور الذي عرفه المجتمع المغربي، من خلال ترسيم عدة آليات سياسية و ترافعية جديدة ينكب العمل التشريعي على تتمة أجراة عملها كما جاء في دستور 2011 .

فتواجد الشباب اليوم من خلال الفصل 33 وايضا الفصل 170 من الوثيقة الدستورية تأكيد على مدى الاستعداد السياسي لجل الفعاليات لإعادة الثقة لهذه الفئ ، خصوصا أن المغرب يعرف بهرم سكاني شاب، وهذا ما اتضح من خلال خطاب تقديم الدستور، والذي أكد فيه الملك على الدور الذي يجب الاضطلاع به لما يحتله الشباب كشريحة مهمة في المجتمع.

إن عبارة ” حقوق الانسان”، تقال على كل لسان الشباب، و لا يكاد يخلو منها خطاب فكري أو صحافي، فكلما اتسعت رقعة الانفتاح الثقافي و التلاقح الحضاري، و التي يزيدها الإعلام اتساعا كل يوم، كلما كثر إستخدام عبارة “حقوق الانسان”، ليتبنى كل من يستخدمها مهمة الدفاع عنها، و كأن هذه المهمة غدت اليوم رمز الموقف الحداثي التحرري و الخطاب النضالي، لتشترك في ذلك مختلف الخطابات، و إن تباينت مرجعياتها، إلا أن جميعها يتحدث باسم “حقوق الانسان” و إن كان بعضها يتأسس، وعلى سبيل المثال، على جهاز مفاهيمي علمي، وبعضها الاخر يتأسس على جهاز مفاهيمي لا هوتي، و البعض الآخر يستند على مرجعيات عقلانية.

كما أنه بالرجوع إلى مشرع ” ثقافة الواجب” لدى الشباب المغربيآ نجدها ذلك المشروع الذي يلزم قيامه على مستويات متعددة يؤسس بعضها الاخر، و يكمل بعضها الآخر، فهو مشروع لا يتوقف عن حدود ما هو بيداغوجي فقط، و لا يرتبط بالنسق التربوي الشمولي فحسب، بل هو مشروع يتعلق بالمستويين معا و بدمجهما في نسق ثقافي مجتمعي أشمل يتسم بالعقلانية و الإنسانية و التنوير.

بهذا المعنى، نجد أنفسنا أمام مشروع ليس بيداغوجيا خالصا، و لا تربويا صرفا، و إنما هو مشروع سوسيو ثقافي، ومشروع تحديث لعقل ثقافي، هدفه تنمية وضع الانسان إجتماعيا، من خلال تنوير القيم في أفق عقلاني إنساني تحرري يقر الحق ويحترم الواجب.

وإنطلاقا من هذه المعطيات التي تم تسجيلها حول دلالة عبارة حقوق الانسان، و حول تعزيز هذه الحقوق عبر التربية والتعليم، يمكن أن نلخص إلى بعض المميزات التي يتسم بها الواجب نحو ثقافة حقوق الانسان، وتحديد طبيعتها وهويتها، فهي تربية إنسانية، و تنويرية عقلانية وتربية نقدية و قيمة سلوكية.

لا تكفي عزيزي المتلقي، هذه التربية الحقوقية بحشد الذهن بمعلومات حول الكرامة و الحرية و المساواة و الاختلاف، وغير ذلك من الحقوق، بل إنها تقوم أيضا على أساس أن يمارس شبابنا تلك الحقوق، و أن يؤمن بها وجدانيا، و أن يعترف بها كحقوق للآخرين، و أن يحترمها كمبادئ ذات قيمة عليا، إنها ليست تربية معارف للتعلم فقط، و إنما هي تربية قيم للحياة والمعيش، و إنطلاقا من أن “الشباب المغربي لا يردون أن يتعلموا حقوق الانسان فقط، و إنما أن يعيشوها في تعليمهم حتى تكون لهم أكبر فائدة عملية، لتنضاف إلي حقوق الانسان والشباب و في إطار الممارسة التربوية، ما أضحى يعرف اليوم بــ “التربية على حقوق الانسان”.

إن ثقافة حقوق الإنسان لدى الشباب المغربي، لا يقصد بها تعليم معارف و تصورات حول حقوق الانسان، بقدر ما يرمي إلى تأسيس القيم التي ترتبط بتلك الحقوق.

فالتربية على حقوق الإنسان ” ليست تربية معرفية” فقط، بل هي “تربية قيمية” بالدرجة الأولى، و إهتمام هذه التربية بالجانب المعرفي لا يعد قصدا ومبتغا نهائيا من التربية، بل تتوجه بالأساس الى السلوك.

وختاما لن يكون مقصد مقالنا هو المفصل في مسالة ثقافة حقوق الانسان،فإذا أدرك المتلقي العزيز تقاطع المستويات الثلاثة للتربية الحقوقية و تكاملها، البيداغوجي و التربوي و الثقافي المجتمعي، و إذا بدأ يفكر في هذا التقاطع و التكامل، فإن خطابنا قد أصاب هدفه.

إننا على يقين أن توسيع مستوى فكرنا في الواقع، لا يعني أن ثقافة الحق و الواجب، و إستحضارها على المستوى السياسي، سينهي موضوع الشباب و حقوق الإنسان، إذ هو موضوع لا يمكن انتهاؤه و لا ينبغي ذلك، فهو موضوع الحياة وموضوع الكرامة خصوصا إذا أردنا لهذا المشروع أن يدخل حقل الممارسة و التفعيل دون أن نغفل طبيعة الخطاب الحقوقي الموجه لشبابنا، لأنناما زلنا نجتر خطابات أضحت متجاوزة.

*محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x