2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
أزرف ن تمغارت تمازيغت: الولاية القانونية على الأبناء
سلسلة “أزرف ن تمغارت تمازيغت” هي نافذة تمكن قراء وزوار الصحيفة الرقمية “آشكاين” التعرف على قيمة وأهمية المرأة لدى الأمازيغ في كل مناحي الحياة، إن على المستويات الإجتماعية؛ الثقافية، الإقتصادي وحتى السياسية، كما أنها (السلسلة) مناسبة للتطرق للنقاش الدائر اليوم حول إصلاح مدونة الأسرة بمنظور أمازيغي يتأسس على العرف الذي كان ينظم مجمتع القبائل المغربية الأمازيغية.
أزرف ن تمغارت تمازيغت: الحلقة 2 .. الولاية القانونية على الأبناء
من بين القضايا الخلافية بين التيارين المحافظ والحداثي بخصوص مدونة الأسرة التي يتم العمل على إصلاحها في الوقت الراهن، ما يتعلق بالولاية القانونية على الأبناء، خاصة أن السنوات الماضية أظهرت إشكالات عدة بخصوص هذه المسألة وأثبتت ضرورة إعادة النظر فيها، لذلك يطالب التيار الحداثي اليوم بالولاية المشتركة على الأبناء أو المساواة في الولاية على الأبناء على اعتبار أن مصالح الأبناء تتضرر في حالة طلاق الزوجين، وهو ما يرفضه التيار المحافظ بشدة.
وعند العودة إلى العرف الأمازيغي، نجد أن هذا الإشكال غير مطروح كما هو الشأن اليوم؛ خاصة أن المرأة الأمازيغية كانت هي مركز العلاقات الاجتماعية، وكانت تتولى مجموعة من المهام؛ ومنها ما يتعلق بالأبناء.
في هذا الإطار، يقول المفكر أحمد عصيد، إن العقلية الذكورية المتحكمة في الفكر الفقهي الإسلامي ما زالت ترفض بدون أي مبرر معقول ولاية المرأة على أطفالها، مما يؤدي إلى ضياع مصالحهم عند غياب الأب أو تنصله من المسؤولية العائلية او في حالة الطلاق، ويعزى هذا الموقف السلبي إلى مبررات فقهية قديمة لم تعد قائمة اليوم ولا أحد يستطيع القول بها، وهي ضعف عقل المرأة والطابع العاطفي لشخصيتها، وانعدام خبرتها في الأموال وحرمة اختلاطها بالرجال.
أما في التقاليد والأعراف الأمازيغية فقد كانت المرأة في مركز الحياة الاجتماعية لما كانت تقوم به من أدوار كبيرة تغطي كل مناحي الحياة الفلاحية في التنظيم القبلي، وقد انعكس هذا حتى على معجم اللغة الأمازيغية حيث ينسب الأطفال إلى الأم وليس إلى الأب كما في القول “ڭما” gwma أي أخي من أمي، و “أولتما” ultma أي أختي من أمي، كما سميت المرأة في اللغة الأمازيغية “تامغارت” وتعني الرئيسة أو القائدة، مما يدل على أن المجتمع الأمازيغي كان في العصور القديمة مجتمعا “أميسيا”، وأنه بتأثير المرحلة الإسلامية والفقه الذكوري تحول إلى مجتمع أبوي بالتدريج. وقد أظهرت العديد من الدراسات الأركيولوجية والأنثروبولوجية مركزية المرأة في العلاقات الاجتماعية وحتى في العمليات الحربية منذ القديم لدى الأمازيغ.
هذه المكانة جعلت المرأة تتولى شؤون أطفالها بنفسها نظرا لاضطرار الرجل إلى ممارسة أعمال كثيرة بعيدا عن أسرته، مما جعل الأطفال في جميع حاجاتهم يعتمدون على الأم، بما في ذلك تمدرسهم في الكتاب القرآني وتلقي عملية الختان حيث تتكلف الأم في كثير من الأحيان بالاتصالات بنفسها، كما تقوم بإكسابهم كل مبادئ العيش داخل الجماعة من تقاليد وعادات حتى تمكنهم من الاندماج داخل مجتمعهم المحلي، ولم يكن احد ينكر عليها ذلك لأنه كان من صميم ثقافة المجتمع القبلي وأعرافه.
ويدل ما سبق على أن المجتمع الأمازيغي القديم لم يكن يعتبر المرأة ناقصة عقل أو ضعيفة الشخصية أو لا خبرة لها ولا يجوز لها مخالطة الرجال، فهذه الاعتبارات جميعها كرسها فقه “الحريم” الذي عزل المرأة عن الحياة الاجتماعية وجعلها قاصرة عن القيام بالعديد من المهام، التي كانت تقوم بها المرأة الأمازيغية بشكل عفوي، وبمباركة من الفقهاء الأمازيغ الذين تميزوا بقدرة كبيرة على الاجتهاد في قراءة النصوص الشرعية وملاءمتها مع الواقع.
إن إصرار البعض اليوم على حرمان المرأة من الولاية على أطفالها لاعتبارات فقهية قديمة لم تعد قائمة؛ إنما يعود إلى التقليد الأعمى والقراءة الحرفية للفقه القديم دون نظر إلى الواقع ومراعاة مصلحة الأطفال التي هي محمية بمقتضى الدستور المغربي. وكان الأحرى بهؤلاء عوض اعتبار الفقه القديم “هوية” يحرصون عليها أن يعتبروا بهوية أجدادهم الأمازيغ وثقافتهم السمحة، التي كانت تفهم الدين على ضوء الواقع وضرورات الوقت.