لماذا وإلى أين ؟

أزرف ن تمغارت تمازيغت: الأموال المكتسبة

سلسلة “أزرف ن تمغارت تمازيغت” هي نافذة تمكن قراء وزوار الصحيفة الرقمية “آشكاين” التعرف على قيمة وأهمية المرأة لدى الأمازيغ في كل مناحي الحياة، إن على المستويات الإجتماعية؛ الثقافية، الإقتصادي وحتى السياسية، كما أنها (السلسلة) مناسبة للتطرق للنقاش الدائر اليوم حول إصلاح مدونة الأسرة بمنظور أمازيغي يتأسس على العرف الذي كان ينظم مجمتع القبائل المغربية الأمازيغية.

أزرف ن تمغارت تمازيغت: الحلقة 3 .. الأموال المكتسبة

من بين النقاط الخلافية التي طرحها إصلاح مدونة الأسرة، ما يتعلق بالمادة 49 من المدونة؛ والمرتبط أساسا بتدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية وتوزيعها بعد انحلال الزوجية، خاصة مع تغير الأدوار بين الرجل والمرأة داخل الأسرة.

المادة المشار إليها في مدونة الأسرة مكنت الزوجة من حقها في الأموال المكتسبة بعد الزواج؛ إلا أن هذه المادة يعاب عليها كونها جاءت بصيغة عامة شاملة طرحت العديد من الإشكالات، من حيث الفهم السليم لها ومقاصدها ضمن علاقة الزواج وحيث تطبيقها على أرض الواقع سواء في حالة وجود اتفاق مكتوب حول التدبير المالي للأموال المكتسبة أو في حالة غياب هذا الاتفاق.

وفي ظل النقاش المثار حول هذه المادة، نعود للبحث في العرف الأمازيغي، للإطلاع على كيفية تدبير هذا الأمر من طرف أجدادنا، وهنا يوضح المفكر أحمد عصيد، أنه في موضوع اقتسام الأموال المكتسبة ينبغي التأكيد على أن المادة 49 من مدونة الأسرة قد وضعت أصلا سنة 2004 انطلاقا من نقاش دام لمدة طويلة حول أهمية استلهام العرف الأمازيغي المسمى “تامازالت”، والذي يقصد به في مناطق سوس حق المرأة في التعويض عن كل الأعمال المضنية التي قامت بها لصالح الأسرة خلال مدة الزواج وبعد الطلاق، والتي هي أعمال تتجاوز بكثير ما يقوم به الرجال.

فالرجال غالبا ما يركزون على عمل محدد في مجال واحد مثل حرفة معينة، أما المرأة فعملها يمتد طوال النهار ويتعلق بمجالات لا تعد ولا تحصى، من الطبخ والتصبين والاهتمام بالأطفال والبهائم وجلب الأعلاف من الخلاء وجلب الحطب وجلب الماء دون الحديث عن الأعمال الرئيسية في الحياة الفلاحية كالحرث والحصاد والدراس وطحن الحبوب وإخراج روث البهائم وجني الثمار المختلفة، كل هذا يتم في حر الصيف وبرد الشتاء القارس، وهذا ما جعل فقهاء سوس يقومون باجتهاد عظيم في ما سمي “بالكد والسعاية”، إنصافا للمرأة وتقديرا لجهودها، حيث اعتبروا أن معيار الاستفادة من الثروة هو الكد والعمل والجهد المبذول وليس الجنس.

المفكر أحمد عصيد

لكن؛ للأسف ما زلنا نسمع اليوم من أتباع التيار المحافظ من يقول إنه لا يقبل باقتسام الأموال المكتسبة لأن كل الجهود التي تقوم به المرأة واجب عليها ولا يمكن أن تعوض عليها، بينما اعتبر فقهاء سوس الأمازيغ بأن كل العمل الذي يقوم به الرجل أيضا واجب عليه من أجل إعالة أسرته، كما اعتبروا بأن الثروة التي تتراكم خلال مدة الزواج إنما هي بفضل وجود أسرة مستقرة، وهذا غير ممكن بدون وجود الزوج والزوجة معا، مما يعني أن كل جهود المرأة سواء داخل البيت أو خارجه إنما هي إسهام كبير في الثروة التي يتم تحصيلها خلال الزواج، ولهذا قام هؤلاء الفقهاء بتقييم عمل المرأة وتقديره بمقابل مادي، وهو ما يرفضه إلى اليوم أولائك الذين استوردوا نمط التدين الأجنبي المتشدد من خارج المغرب، والذي يحدد امتيازات الرجال من خلال جنسهم وليس جهودهم، أي أنهم يفضلون الذكر على الأنثى فقط لأنه ذكر وليس لكفاءته أو جهوده ومردوديته. والنتيجة أنهم يبخسون حق المرأة فقط لأنها امرأة ، بينما يعلمون جيدا بأنها تعمل بشكل مضاعف مقارنة بالرجل.

ولابد من التذكير هنا أيضا باجتهاد آخر للفقيه ابن عرضون، والذي يعود إلى القرن السادس عشر، حيث أكد على أن “النساء تعملن أكثر من الرجال” ودعا إلى اقتسام الأموال المكتسبة بالتساوي بين الرجل والمرأة بعد الطلاق.

ومن تم وجب على الدولة المغربية في المراجعة الحالية لمدونة الأسرة، أن تعمل على تعديل المادة 49 المتعلقة بتدبير الأموال المكتسبة بإلغاء الاستثناء الذي يطالب المرأة “بإثبات” مشاركتها في الثروة خلال مدة الزواج، لأن ذلك لا يحتاج إلى إثبات، حيث أن سنوات الزواج دليل كاف على إسهام المرأة، وهو ما يقتضي تقييم كل العمل الذي تقوم به المرأة في حالة ما إذا كانت ربة بيت فقط ولا تعمل خارجه.

الحلقة 1: أزرف ن تمغارت تمازيغت: الإرث

الحلقة 2: أزرف ن تمغارت تمازيغت: الولاية القانونية على الأبناء

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x