لماذا وإلى أين ؟

عائلات من الصحراء: أهل العرابي..شبكة وكلاء تجاريين مسلمين ويهود بين الصويرة وتمبكتو

يسر جريدة “آشكاين” الإلكترونية  أن تضع بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة تاريخية تتقفى أثر العائلات والأسر الصحراوية التي كان لها أثر بليغ في الصحراء المغربية، وذاع اسمها نظير ما بذلته في مجالات مختلفة من الحياة من خلال ركن  “عائلات من الصحراء”.

سنتطرق في حلقة اليوم إلى عائلة أهل العرابي، من خلال أحد أبرز الوجوه فيها، محمد العرابي الذي اشتهر بشبكة وكلاء تجاريين ترب طبين الصويرة وتمبتكو والسودان.

أسرة أهل العرابي

يبرز الباحث في التاريخ، عبد الهادي المدن، الذي يرافقنا خلال هذه السلسة، أن “أسرة أهل العرابي تنتسب لمحمد بن أحمد الملقب بالعرابي، الذي ينحدر من أسرة مرابطية لمطية، ترجع أصولها إلى الجد الجامع محمد بن عمرو اللمطي، وهو من رجال القرن 6 هجري الموافق لـ12 ميلادية.

وأكد المدن، الذي كان يتحدث لـجريدة “آشكاين” الرقمية أن “عبد الواسع، وهو الجد الثاني لمحمد، يعد من أبرز أفراد الأسرة، لذلك نجد جل الوثائق التي اطلعنا عليها، تنسب محمد مباشرة للجد عبد الواسع”.

شجرة الأسرة

مكانة الأسرة الاجتماعية:

وأضاف الباحث في التاريخ، عبد الهادي المدن، أنه إلى “جانب مكانتها الدينية المرموقة في مجال وادي نون، لعبت أسرة أهل العرابي أدوار تجارية هامة على طول القرن التاسع عشر”.

وأشار صاحب كتاب ” التجارة في وادي نون خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين”، إلى أن “أسرة أهل العرابي حظيت بمكانة اجتماعية نظرا إلى انتسابها لأحد صلحاء وادي نون، وهو محمد بن عمرو اللمطي، الذي يقام بجوار ضريحه أحد أهم مواسم المنطقة، كما تعد زاويته بأسرير منارة علم تخرج منها العديد من الفقهاء، كما أن الأسرة امتلكت مكتبة هامة، توارثتها عبر الأجيال”.

وأكد المدن، من خلال ما استشفه من الوثائق التجارية التي درسها وجد أنها تبرز مكانة أسرة أهل العرابي، من خلال عبارات التوقير والاحترام التي وصف بها أفراد الأسرة من قبيل: “إلى من أيده الله بالرضى والرضوان، وختم عليه بالسعادة والغفران، كهف المسلمين، وإغاثة الحائرين، الرجل الصالح التقي سيدي محمد العرابي بن سيدي أحمد السلام عليكم ورحمة (كذا) الله وبركاته، سلاما ما يعلوه سلما وتحية كاملة واحتراما”.

ومن بين عبارات التوقير التي تضمنته الوثائق يسترسل المدن “المرابط الخير البركة سيدي محمد العرابي بن محمد بن عبد الواسع”، “سيدي محمد العرابي المرابط الاسريري”، “المرابط البركة المرحوم بكرم الله السيد محمد بن الوالي الصالح سيدي عبد الواسع نفعنا الله ببركته وبركة أمثاله دنيا وآخرة”، “محبنا الأرضى الشريف السيد أحمد بن سيد محمد العرب”، “صاحبنا المرابط سيدي محمد بن أحمد بن العربي بن عبد الواسع اللمطي الوادنوني”، “صاحبنا ومحبنا المرابط البركة سيدي محمد بن أحمد بن العربي” .

وأوضح المتحدث أن “مكانة أسرة أهل العرابي قد تعززت بفضل علاقة النسب والمصاهرة مع أسرة أهل بوشبوك، ذات المكانة العلمية المرموقة في وادي نون، إذ تزوج سيدي عمر بن محمد بفاطمة بنت أحمد بن محمد بن عبد الله،  وقد اعترف المخزن المركزي بمكانة أهل العرابي، ومنح سلاطين العلويين: “لأولاد السيد عبد الواسع النسب سكان أسرير وكليميم ناحية تزنيت” ظهائر توقير واحترام”.

المكانة التجارية للأسرة

وتكشف وثائق أسرة أهل العرابي، يورد الباحث عبد الهادي المدن “عن مكانة محمد العرابي في التجارة الصحراوية، وقد استفاد محمد من رأسماله الرمزي لانتسابه لأسرة مرابطية، كما استفاد من وضعيته الاجتماعية بانتمائه لقبيلة أزوافيط، فكان لهاذين المعطيين بدون أدنى شك، دور في تطوير تجارة محمد، لا سيما أن ضريح جده سيدي محمد بن عمرو اللمطي ينظم بجواره أحد أكبر المواسم التجارية بالضفة الشمالية للصحراء”.

منبها إلى أن “جهود الجد عبد الواسع أسهمت في دعم مكانة الأسرة، إذ تكشف إحدى الوثائق  المؤرخة بافتتاح جمادى الأولى 1142/22 شتنبر 1727، وهي عقد قران شقيقة عبد الواسع عائشة بنت محمد على مبارك بن علي البزيادي، وقد جهزها أخويها أحمد وعبد الواسع بجهاز يعطينا فكرة عن ثراء الأسرة”.

شبكة وكلاء تجاريين مسلمون ويهود بين تبمكتو والصويرة

ويتابع المتحدث حكيه عن أهل محمد العرابي، بأن الأخير “قد طور تجارة الأسرة بفضل شبكة من الوكلاء الذين يستقرون  بالمراكز التجارية الهامة كالصويرة وتمبكتو، وذلك لتزويده بالسلع أو تسويق أخرى يبعثها إليهم، ومن أشهر وكلائه أحمد بن محمد العريبي الذي كان يستقر بتمبكتو، ويزود زعيم دار أهل العرابي بالسلع السودانية ومن بينها العبيد”.

وكان من وكلاء محمد العرابي كذلك، يستطرد المتحدث “الحاج سعيد بن مبارك التمراغتي الذي كان يستقر بالصويرة لتسويق السلع التي يبعثها محمد، وكذا تزويده بالأسعار وأحوال السوق، بالإضافة إلى سالم البعمراني الذي كان يستقر بأكادير، ومحمد الهبولي وكيل محمد العرابي في تشيت”، كما تعامل محمد العرابي مع وكلاء مسلمين آخرين في الصويرة، وكذا مع تجار مراكش الذين كانوا يبعثون بالسلع مع تكاليف كراء الإبل واستئجار “الرفاكين” لمرافقة القافلة، ومن أبرز وكلاء محمد العرابي اليهود هناك يعقوب بن المفتالي الذي استقر بالصويرة  وكذا التاجر رابين، والذمي مسان”.

حماية قبلية

يشير المدن في حديثه عن أهل العرابي  أن الأخير “محمد العربي يقدم مثالا للتاجر التكني الذي يتمتع برأسمال رمزي كمرابط، وكذا بحماية قبيلة أزوافيط التي تراقب مجال أسرير الذي ينعقد فيه موسم سيدي محمد بن عمرو اللمطي، ليؤسس محمد بذلك دارا تجارية بعدما راكم ثروة مادية ومعنوية ساعدته على دخول غمار التجارة الصحراوية المحفوف بالمخاطر”.

واعتمد محمد العرابي حسب نفس المصدر على “وكلاء متمركزين في المراكز التجارية الهامة كالصويرة وتمبكتو، وقد كان يتحرى في اختيارهم شروط معينة أهمها الثقة، وكذا المعرفة التامة بالسوق التي يستقرون فيها، وبطرق التسويق وتقلبات الأسعار، وهذا ما يفهم من رسالة بعث بها محمد الهبولي، وكيل محمد العرابي في تيشيت، حيت  أكد على ضرورة تعويضه بوكيل تتوفر فيه الشروط: “فابعث له [أي لمحمد الهبولي]وكيلا يكون مستوفي الشروط، فيتفاصل معه والله على ما نقول وكيل سواء حضرنا بمكان أو لم نحضر” “.

وقد ركز محمد العرابي في معاملاته التجارية، يضيف مصدرنا على “لعب دو الوساطة، بنقل البضائع السودانية أو المحلية نحو الشمال، لتصديرها عبر الصويرة، وجلب المواد الأوربية المصنعة أو تلك التي تفتقر إليها الأسواق المحلية والسودانية”.

وكلاء محمد العرابي

يكشف الأرشيف الوثائقي لأهل العرابي، حسب ما صرح به المدن “عن أسماء وكلاء محمد العرابي في السودان الغربي، ومن هؤلاء، كما أشرنا سابقا، أحمد بن محمد العريبي، الذي كان يبعث للدار الأم في وادنون بالسلع السودانية وأهمها العبيد، وذلك بعد أن يقوم ببيع السلع التي تصله من وادنون، مثل السكر والشاي ، وكان لمحمد وكيل في اندر (السنغال) هو أحمد بن المعطي وابنه محمد فاضل، وفي تشيت وكليه سد محمد الهبولي، بالإضافة إلى وكلاء آخرين مستقرين في أهم المراكز والأسواق السودانية، من أمثال: محمد أعلي الببكر ، وعلي فال بن المقدم مبارك بن أحماد”.

سلع تجارته

وتتضمن السلع التي يبعث بها محمد العرابي “العلك، والريش، وجلد السبع، وبيض الأمهر، وسلع أخرى سودانية المصدر، بالإضافة إلى بعض السلع المحلية التي يتم اقتناؤها من المناطق المجاورة كسوس مثل اللوز، كما يبعث بالأموال خاصة حين يتعذر على وكيله بيع البضائع التي أرسلت إليه سلفا بسبب تراجع الطلب عليها في الأسواق الأوربية، أو بسبب وفرتها وانخفاض ثمنها”، يورد المدن.

وأشار الباحث في التاريخ إلى أن “الوكلاء المستقرون بالصويرة يبعثون بدورهم إلى دار أهل العرابي بوادي نون، سلعا أغلبها أوربية المصدر، أهمها المصنوعات النسيجية كالخنط، والسكر والشاي، والأواني المنزلية “كالبراد” الإبريق و”الطبلة” و”كسان الطاوس” الكؤوس”.

التجارة الداخلية والبعيدة

وخلص المدن إلى أن “محمد العرابي لم يركز على التجارة البعيدة فحسب، بل اهتم بالتجارة الداخلية من خلال تسويق السلع التي تجلبها القوافل سواء من الشمال، وتحديدا من الصويرة، أو تلك التي تأتي من الجنوب أي من السودان الغربي، وتسويقها في أسواق ومواسم وادي نون، خاصة موسم سيدي محمد بن عمرو اللمطي”.

ونبه إلى أن “رُحّل الصحراء كانوا أهم زبناء محمد العرابي، فعلى سبيل المثال “اشترى إبراهيم بن معطى الله الركيبي من سيد محمد ستون بيصة بثمن قدره مائة زابيل وأجله ستة أشهر”، كما اشترى نفس الشخص 40 بيضة: 20 شقة و20 خنط أسود، وحمل من الشاي، وكما هو الشأن بالنسبة لبيروك، اتبع محمد العرابي سياسة الإقراض، وذلك بمنح أفراد من قبيلة الركيبات وأولاد بسبع سلفات إلى أجل معلوم”.

الحلقات السابقة

عائلات من الصحراء: أهل الشيخ بيروك.. عائلة بسطت نفوذها التجاري من وادنون إلى السودان

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x