“العالم السفلي”؛ سلسلة قصصية مشوقة، تفتح من خلالها “آشكاين” لقرائها الكرام نافذة لاستكشاف عالم تجارة المخدرات في شمال المغرب.
من خلال هذه النافذة، تنقل الجريدة الإلكترونية “آشكاين” لمتتبعيها أحداث مشوقة من عالم التهريب الدولي للمخدرات بعضها ينبش تفاصيل ملفات معروف للعامة وبعضها خفي لا يعرفه إلا المقربون من العالم السفلي لتجارة المخدرات، إضافة إلى قصص أشخاص واكبوا وعملوا مع أكبر البارونات بمناطق الشمال والمغرب.
تعد مدينة طنجة قاعدة لشبكات التهريب الدولي للمخدرات، الذي ما فتئت تطور من أساليبها في تهريب كميات المخدرات، فمن الزوارق إلى الطائرات. في هذه الحلقة من “العالم السفلي”، سنتطرق لملف هوليودي لسقوط طائرة صغيرة تستعمل في تهريب المخدرات ضواحي طنجة، من أين جائت وكيف سقطت، وكيف تمكن ربانها من الفرار من المكان إلى غاية توقيفه من طرف المصالح الأمنية، بعد عملية تعقب شاركت فيها مصالح مديرية مراقبة التراب الوطني.
إليكم القصة :
استنفرت مصالح الدرك الملكي بطنجة عناصرها، فجر يوم الثلاثاء 20 شتنبر من سنة 2022، بعد توصلها ببلاغ يفيد بسقوط طائرة صغيرة بمنطقة ترابية بقرية “دار زهيو” التابعة ترابيا لجماعة حجر النحل ضواحي طنجة، لينتقل عناصر الدرك لعين المكان، حيث ضربوا طوقا أمنيا واسعا، وشرعوا في البحث عن ربان الطائرة الذي اختفى.
المنطقة المذكورة بعيدة عن مطار طنجة، كما أن هيكل الطائرة الذي لم يتضرر كثيرا، وعدم وجود ربان الطائرة بالمكان، جعل المحققين يرجحون فرضية واحدة. أن الأمر يتعلق بعملية فاشلة للتهريب الدولي للمخدرات، خاصة وأنها ليست المرة الأولى ولا الثانية التي تسقط فيها طائرة تابعة لشبكات تهريب المخدرات بطنجة. لكن أسئلة ظلت عالقة، من أين جاءت الطائرة ؟ وأين ربانها ؟ وماذا حدث للحمولة ؟
حسب مصادر عليمة بمجال الطيران، استشارتها “آشكاين” فإنه من الصعب على الرادارات أن ترصد الطائرات التي تحلق على علو منخفض لا يتعدى 400 متر، كما أن الطائرات الصغيرة التي لا تتجاوز سرعتها 500 كلم في الساعة في أقصى تقدير، تستغرق 40 دقيقة إلى حدود ساعة من الزمن لقطع المسافة بين المغرب وإسبانيا أو الدول المجاورة، مما يجعلها الخيار الأمثل لبارونات المخدرات بعد الزوارق السريعة.
الطائرة التي تعقبت “آشكاين” مصدرها من خلال رقم الذيل “YL-TUJ”، هي من نوع “Cessna F177RG Cardinal RG (Reims)”، كانت مسجلة ببلجيكا برقم ذيل مختلف (OO-TUJ) قبل أن يتم إلغاء تسجيلها يوم 15 يونيو من سنة 2021. كما عاودت الظهور يوم 14 ماي من السنة ذاتها، فيما يبدوا أنه رحلة تجريب من مطار “Grimbergen Airfield” ببلجيكا، ثم رحلة ثانية من هناك إلى مطار “Eberswalde Finow” في برلين، قبل أن تطير من هناك إلى ريتا في لاتفيا، لتختفي عن الأنظار، حيث يرجح أنه تم تبديل رقم الذيل أو رقم التسجيل هناك من “OO-TUJ” إلى “YL-TUJ”. لتظهر لاحقا يوم 8 غشت من سنة 2022، أي قبل 46 يوما من سقوطها بطنجة، وذلك في أليكانتي الإسبانية، بمطار خاص تابع لنادي إسباني لربابنة القطاع الخاص، يقدم أيضا دروسا في الطيران.
الربان حسب مصادر مقربة من التحقيقات في الملف، تحدثت لموقع “آشكاين”، انطلق من مدينة “أليكانتي” الإسبانية، فجر يوم الثلاثاء 20 شتنبر 2022 في اتجاه مدينة طنجة، محلقا على علو منخفض لا يتجاوز 300 متر عن الأرض حتى لا تكشفه الرادارات العسكرية، متجها نحو طريق خالية بمنطقة حجر النحل ليستعملها كمهبط. الغرض كان تحميل شحنة من المخدرات والعودة بها نحو إسبانيا، لكن الخطة لم تجر كما اتفق، حيث حل عطب بالمحرك اضطر الربان على إثره للهبوط اضطراريا في أرض ترابية بالمنطقة المذكورة.
الربان (41 سنة) كولومبي الجنسية، مباشرة بعد سقوط الطائرة قام بإطلاق ساقيه للرياح، واتجه إلى أقرب دوار بالمنطقة، هناك ربط الاتصال بشركائه في الضفة الأخرى الذين طلبوا منه أن يضل متواريا عن الأنظار إلى غاية اتصال شخص به.
خلال وقت قصير، تواصل مواطن مغربي إسباني، حسب مصادرنا، بالربان الذي كان قد بدأ يتملكه الخوف من أن يترك هناك في بلد أجنبي. بعد التقاء المعنيين قاموا مباشرة بالقيادة نحو المدينة القديمة لطنجة، حيث قام المشتبه فيه المجهول بكراء شقة مفروشة من أجل الربان الكولومبي، الذي ظل مختبئا هناك لحوالي عشرة أيام.
من جهتها، انخرطت المصالح الأمنية بمدينة طنجة في تحقيقات دقيقة للوصول إلى ربان الطائرة الذي بدا وكأن الأرض انشقت وابتلعته. ذلك إلى غاية توفير مصالح مديرية مراقبة التراب الوطني المعروفة اختصارا ب”DST”، لمعلومات استخباراتية دقيقة، مكنت من الاهتداء إلى مكانه.
مباشرة بعد ذلك، قامت فرقة خاصة تابعة للفرقة الولائية للشرطة القضائية بطنجة، للتوجه إلى المدينة القديمة، حيث حاصرت المنزل الذي كان يختبئ به الربان الكولومبي من أجل سد أي ثغرة قد يفر منها. وليقوموا باقتحام المنزل بعدها وشل حركة المعني، وتوقيفه واقتياده لمقر ولاية الأمن للتحقيق معه، وتسليمه لاحقا لمصالح الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء لاستكمال التحقيقات.
الحلقة الثالثة : العالمُ السفلي.. قصة “باتشو”من قِيادة قوارب “الفانطوم” إلى إمام مسجد
الحلقة الثانية : العالم السفلي.. عصابة “الشطونة” وشقيقه لتهريب البشر والحشيش
الحلقة الأولى : العالمُ السفلي.. هكذا خطط لتصفية النيني بواسطة قاتلٍٍ مأجـــور
