لماذا وإلى أين ؟

اعتقال الوزير مبديع.. بداية تصفية ملفات سياسيين فاسدين أم قرصة أذن؟

لا حديث يعلو في صالونات السياسة على حدث اعتقال الوزير السابق و البرلماني عن حزب الحركة الشعبية، محمد مبديع، إلى جانب متهمين آخرين، بعدما  تقرر أخيرا  إيداعهم سجن عكاشة بالدار البيضاء، من أجل تهم “اختلاس وتبديد أموال عمومية والتزوير والغدر واستغلال النفوذ وغيرها والمشاركة في ذلك وأحالهم جميعا على قاضي التحقيق”.

مسؤولون يتحسسون رؤوسهم

ولا خلاف بين متابعي الشأن السياسي عن كون هذا الملف الذي عمر طويلا في ردهات الفرقة الوطنية لم يكن بغرض الاستهداف لشخص مبديع ومن معه، بقدر ما هو تنزيل مسطرة تأخر تفعيلها لسنوات بشهادة حقوقيين وفاعلين في حماية المال العام، بل وحتى بعض السياسيين.

ولا شك أن اعتقال مبديع، الذي شغل منصبا وزاريا إبان حكومة عبد الإله بنكيران، وكان اسمه بارزا في لائحة المتابعين في “ملفات الفساد”، بل وانتخب مؤخرا رئيس لجنة التشريع والعدل، قبل أن يستقيل منها ساعات قبل اعتقاله، (لا شك) أنه سيجعل كل المتورطين في ملفات فساد، أو حتى من تحوم حولهم تهم مشابهة، يتحسسون رؤوسهم بعدما ظلوا في “منطقة الظل” لسنوات واعتقدوا، كما نقول بالعامية، أنهم “قطعوا الواد ونشفوا رجليهم”.

مطالب بالحزم مع لصوص المال العام

هذه المتابعة تجعل السؤال مطروحا عما إن كانت ستشكل بداية لإجراء مماثل  سيطال باقي الملفات العالقة التي يتابع فيها منتخبون وبرلمانيون وموظفون كبار،  من خلال إجراءات حازمة، وهو ما ذهب إليه رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، المحامي بهيئة مراكش، محمد الغلوسي،  الذي قال إنه “لا بد للسلطة القضائية أن تتخذ إجراءات حازمة وصارمة في مواجهة لصوص المال العام والمفسدين”.

وتأتي مطالب الصرامة في هذه الملفات نظرا لما اعتبره الغلوسي، في حديثه لـ”آشكاين” بكون “هذه الجرائم هي جرائم خطيرة وتمس بهبة ومصداقية المؤسسات والثقة العامة والنظام العام الاجتماعي والاقتصادي،  ونظرا لان بعض لصوص المال العام وبعض المفسدين اعتقدوا أنهم بمنأى عن المحاسبة، وأن هذه المساطر هي فقك مساطر  لتضييع الوقت وإلهاء الرأي العام وأنهم سيخرجون منها دون أية محاسبة وأن مثل هذه القرارات تجعل أمثال هؤلاء يراجعون حساباتهم جيدا”.

واستبشر حقوقيون وفاعلون في الدفاع عن المال العام، بهذا الحدث “خيرا”، حيث أنهم “يتمنون”، يسترسل الغلوسي أن “لا تكون الإجراءات المتخذة في هذا الملف استثنائية، بل أن تكون شاملة لجميع الملفات التي فيها هدر للأموال العمومية واختلالات مالية وقانونية جسيمة، والرأي العام يتطلع لأن تكون هذه القرارات حازمة ورادعة”.

ملفات عالقة

ومن بين الملفات العالقة، يورد الغلوسي “قضية كازينو السعدي بمراكش التي استغرق الملف القضائي فيها 15 سنة ما بين التحقيق والمحاكمة،  وهي قضية أدين فيها منتخبون كبار ومقاولون وموظفون بعقوبات سجنية سالبة للحرية تتعلق بالرشوة والتزوير، وقد كنا في الجمعية المغربية لحماية المال العام تقدمنا بشكاية في الموضوع وتبنينا الملف واستمعت لنا الشرطة القضائية وقاضي التحقيق منذ ما يزيد على عشر سنوات”.

ومن بين المتورطين في قضية “كايزينو السعدي” يقول الغلوسي “عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال سابقا أبدوح عبد اللطيف، الذي كان أيضا يتقلد منصب رئيس لجنة العدل والتشريع باسم حزب الاستقلال، وصدر في هذا الملف حكم إدانة إبتدائيا وتم تأييده استئنافيا، حيث حكم على  أبدوح بخمس سنوات سجنا نافذا، والملف معروض على محكمة النقض منذ ما يزيد على 3 سنوات، ولحدود اليوم لم تفرج محكمة النقض عن هذه القضية ولم تبث فيها”.

ولا شك أن لهذه الملفات وطول أمدها أثرا على القضاء وسمعته، حيث يرى الغلوسي أن “هذا يشكل هدرا للزمن القضائي  ويشكل تقويضا للمحاكمة العادلة والتي من بين شروطها هو البث داخل أجل معقول، حيث أن الدستور ينص على ذلك”.

“وإطالة أمد هذه القضية”، يسترسل المتحدث  “من شأنه أن يفهم على أنه محاولة لإيجاد مخرج للمتهمين في قضايا الفساد المالي، وهو يزكي ذلك الانطباع السلبي على المؤسسة القضائية ويشوش على العدالة، ما يعني أن هذا الملف مزمن،  ويتطلب من محكمة النقض أن تتخذ فيه قرارا حازما في مثل هذه القضايا التي عمرت طويلا”.

ولفت الغلوسي الانتباه إلى أن من الملفات العالقة أيضا “تلك التي يتابع فيها البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، محمد الحموتي، كما أن هناك ملفا آخر يتعلق ببلدية آية ملول، وهو لمدة خمس سنوات وهو في ردهات الفرقة الوطنية لمراكش الذي يتابع فيه مسؤول عن البيجيدي،  كما أن هناك ملفا آخر يتعلق بتفويت عقار عمومي في عهد الوالي البجيوي تحت ذريعة الاستثمار بأثمان رمزية، ولازال لحدود الآن لدى مكتب الوكيل العام بمراكش ولم يتخذ فيه أي إجراء”.

ولا يخفى على متابعي الشأن السياسي بالمغرب أن من بين الملفات الأخرى التي لا تزال أنظار حماة المال العام ومحاربة الفساد المالي للمنتخبين شاخصة إليها، تلك الأحكام التي  أعادتها محكمة النقض، في 6 يوليوز 2022، إلى غرفة جرائم الأموال بمحكمة الإستئناف بفاس،  في حق القيادي بحزب الاستقلال ورئيس فريقه النيابي سابقا، عمر حجيرة، و عبد النبي بعيوي، رئيس مجلس جهة الشرق، ولخضر حدوش وآخرين، والتي قضت بالسجن سنة نافذة في حق بعيوي، فيما قررت سجن حجيرة لسنتين سجنا نافذا، حيث جاءت متابعة حجيرة، بناء على ما جاء في تقرير سابق للمجلس الأعلى للحسابات، المتعلق بجماعة وجدة للفترة بين 2006 و2009، رفقة مقاولين ومسيري شركات ومكاتب للدراسات، بتهم تتعلق بتبديد واختلاس أموال عامة والتزوير.

حديثنا عن الملفات العالقة لا يكاد يكتمل دون ذكر المتابعة القضائية لرئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، أحمد تويزي، رفقة رئيس مجلس جهة مراكش تانسيفت الحوز سابقا (والتي تسمى حالية جهة مراكش آسفي ) عبد العالي دومو، وكذلك قضية الرئيس الأسبق لنفس الجهة و رئيس بلدية أيت اورير إقليم الحوز والمتابعين من أجل جناية تبديد أموال عمومية بالنسبة لهذا الأخير، وتبديد واختلاس أموال عمومية بالنسبة للأول، والتي أجلت غرفة الجنايات الإبتدائية المكلفة بجرائم الأموال لدى محكمة الإستئناف بمراكش، في 16 مارس 2023، النظر فيها إلى نهاية أبريل الجاري.

بداية فتح ملفات أخرى أم قرصة أذن لـ”السنبلة”

ولعل متابعة  الوزير السابق ورئيس بلدية الفقيه بنصالح الذي ظل في هذا المنصب منذ 1997،  ستكون  مثار تساؤلات كثيرة وحثيثة عن ما إن كان اعتقاله سيكون بداية صريحة وفعلية لمتابعة، بنفس الصرامة، باقي المتورطين في قضايا فساد ورشوة واختلاس المال العام، وسنكون بذلك دخلنا مرحلة جديدة للقطع مع مراحل “تمطيط” ملفات الفساد وإضاعة الزمن القضائي في ملفات لها كل المقومات القانونية للزج بالمتهمين فيها في السجن.

ويبقى التخوف مشروعا من مآلات ملف مبديع، أو بالأحرى انعكاساته على باقي المشهد السياسي، إذ ان عدم تحريك باقي الملفات العالقة، ما ذكرنا منها وما لم نذكر، سيجعل المتابع للشأن السياسي يتساءل عما إن كان ملف مبديع وقبله ملف مصطفى لخصم، إشارة قوية للقطع مع سياسة “غض الطرف” عن ملفات فساد يتورط فيها منتخبين وسياسيين، أم قرصة أذن لحزب الحركة الشعبية الذي بدأ يروج لخطاب لم يألفه المشهد السياسي، من إعادة بناء جديدة لحزب “السنبلة” وذلك بعد انتخاب قيادة جديدة برئاسة محمد اوزين؟.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
بوراس
المعلق(ة)
28 أبريل 2023 21:30

ادا كنتم تريدون الخير للبشرية أن يكون القانون على الجميع بدون استثناء لان الحصانة للفاسدين هي سبب لكل شيء والسلام عليكم ايها القـراء

مريمرين
المعلق(ة)
29 أبريل 2023 10:59

يجب أن تطال يد العدالة جميع المفسدين بدون استثناء عبر التراب الوطني، سيما أن المجلس الأعلى للحسابات أنجز تقارير عديدة فأتى على ذكر عشرات الأسماء التي انغمست في تبديد المال العام. فمحاسبة مبديع الفقيه بنصالح يجب أن تليها محاسبة ال”مبديعون” الآخرون المتواجدون في جميع القطاعات و المؤسسات .

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x