لماذا وإلى أين ؟

تحليلٌ إخباري : مجلسُ المُـنافسة أسدٌ على الشَّـركات و نعامةٌ أمام لوبــي المحروقات

استبشر المغاربة خيرا بمصادقة مجلس الحُــكومة، يوم الخميس 11 ماي الجاري، على مشروع المرسوم رقم 2.23.273 بتغيير و تتميم المرسوم رقم 2.14.652 بتطبيق القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة، قدمته وزيرة الإقتصاد والمالية نادية فتاح، نظرا لما سيتيحه المرسوم لهذا المجلس من إمكانيات “لمحاصرة لوبي الفساد في مختلف المجالات الحيوية التي تلامس الحياة اليومية للمواطنين”.

فرصة لتعزيز الحياد

هذا المرسوم التطبيقي الذي صادقت عليه الحكومة من شأنه “إضفاء الدقة اللازمة على الإطار القانوني الحالي و تعزيز حياد و قدرات مجلس المنافسة”، كأحد أدوار مجلس المنافسة الذي يرأسه أحمد رحو، كما أنه فرصة سانحة للمجلس لتفعيل أدواره المنوطة به.

ويتضمن هذا المشروع مجموعة من المقتضيات التي تهم تحديد أرقام المعاملات الموجبة لتبليغ عمليات التركيز الاقتصادي إلى مجلس المنافسة قصد استصدار ترخيص من أجل إنجازها؛ وتحديد مبلغ الإتاوة، المحدثة بموجب المادة 13 من القانون السالف الذكر رقم 104.12 كما تم تغييره وتتميمه والواجب أداؤها مقابل دراسة طلبات الترخيص بعمليات التركيز الاقتصادي؛ مع تحديد كيفيات إيداع التبليغات في شكل مبسط، طبقا لمقتضيات المادة 12 من القانون رقم 104.12 كما تم نسخها وتعويضها بالقانون رقم 40.21.

مهام المجلس

يعتبر مجلس المنافسة، طبقا للفصل 166 من الدستور، هيأة مستقلة مكلفة، في إطار تنظيم منافسة حرة و مشروعة بضمنان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار.

يتمتع المجلس بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي، وله (لمجلس) سلطة تقريرية في ميدان محـاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ومراقبة عمليات التركيز الاقتصادي كما هي معرفة في القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة.

ويكلف المجلس كذلك بإبداء آرائه بشأن طلبات الاستشارة، كما هو منصوص عليه في القانون 13-20 و القانون 12-104 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، وإصدار دراسات بشأن المناخ العام للمنافسة قطاعيا و وطنيا.

قرارات محتشمة

تاريخ مجلس المنافسة الذي أحدث سنة 2008 كان شاهدا على قراراته التي لم تستطع أن تضع اليد على الملفات الحارقة التي ألهبت جيوب المواطنين، ولطخت السوق المغربية بممارسات تتنافى و”الشفافية والإنصاف والمنافسة الحرة والمشروعة”، والتي يهدف المجلس لضمانها، وفق ما يعرف به نفسه عبر بوابته الرسمية.

فطيلة هذا المشوار الذي ناهز 15 سنة من إحداثه، اكتفى المجلس بإصدار آرائه في ملفات تبدو ثانوية في رأي المحللين الاقتصاديين، بل وحتى في رأي عامة الناس، من قبيل رأيه في التدبير المفوض للنقل العمومي، وفرض عقوبة مالية على شركة “SIKA AG” قدرها 11.670.215 درهما، طبقا لمقتضيات المادة 19 من القانون رقم 104.12، وذلك بسبب عدم احترام إلزامية تبليغ المجلس بعملية التركيز الاقتصادي المتعلقة بتولي الشركة المراقبة الحصرية على شركة “Financiere Dry Mix Solutions“.

كما أن المجلس أًصدر رأيا استشاريا بطلب من مجلس النواب، في ما يتعلق بارتفاع أسعار زيوت المائدة، حيث خلص التقرير الصادر عن مجلس رحو في 29 دجنبر 2021، إلى “تضافر عاملين أنتجا تلك الوضعية، متمثلين في بنية السوق و الأسعار في السوق الدولية”، مشيرا إلى أن “هناك تقاربا بين الشركات الثلاث الكبرى الفاعلة في السوق، وهي لوسيور كريستال ومعامل الزيوت بسوس لحسن وصافولا”، كما أن المجلس اعتبر في نفس التقرير أن الأرباح التي تحققها هذه الشركات رغم الزيادات تبقى “معقولة” حسب التقرير.

قرارات مجلس المنافسة طالت كذلك شركات مختلفة لم تحترم روح “المنافسة الحرة و النزيهة”، بل وتعدته إلى تهديد شركات القطاع الخاص التي تقوم بفرض تكاليف إضافية على زبنائها الراغبين في تأدية فواتيرهم عبر الأنترنت، (هددها) باللجوء للقضاء إن هي استمرت في هذه الممارسات، واعتبر ذلك “ممارسات غير مبررة من الناحية الاقتصادية” و”تشكل عبئا على القدرة الشرائية للمستهلكين، وتعيق تطور ونمو رقمنة اقتصاد بلادنا ولا تنسجم مع الاستراتيجية الوطنية الهادفة إلى تطوير القطاع الرقمي بالمغرب”.

نعامة أمام لوبي المحروقات

المرسوم التطبيقي رقم 2.23.273 بتغيير و تتميم المرسوم رقم 2.14.652 بتطبيق القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة، والذي وضعته الحكومة في يد مجلس المنافسة  كآلية لضبط السوق لم يترك لمجلس رحو عذرا أمام “تقاعسه” في مواجهة لوبي المحروقات.

ورغم أن هذا المرسوم التطبيقي جاء متأخرا، كون “الضرر واقع في حق المستهلك من تحرير المحروقات سنة 2016، وتأخر الحكومة في إصدار هذه المراسيم ومراجعة الإطار القانوني تتحمل فيه الحكومة الضرر الذي لحق المواطنين”، وهو ما أكده الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، و منسق جبهة إنقاذ مصفاة ”سامير” الحسين اليماني، في تصريح سابق لـ”آشكاين”،(رغم ذلك) إلا أن اليماني تمنى أن “يقوم بدوره بعمله وينقذ المغاربة بكل ما يتعلق بشبهة التوافق حول أسعار المحروقات”.

فبعد صـدور هذا المرسوم، تطلعت أنظار المغاربة لما سيقدم عليه مجلس المنافسة، نظرا لأن ما كان رحو يتحجج به، في تصريحات سابقة،  من قبيل عدم اكتمال الترسانة القانونية، قد تبخر بعد صدور المرسوم، و بينما كان الجميع ينتظر أن “يتجرأ” المجلس على فتح ملف المحروقات الذي تسبب في رفع أسعار هذه المواد البترولية، كان لمجلس رحو رأي آخر.

فبدل أن يفتح المجلس ملفات “الأرباح الفاحشة” التي راكمها  لوبي المحروقات بالتزامن مع انخفاض سعر النفط عالميا، والذي غصت به التقارير التي رصدت بالأرقام تلاعبات أرباب المحروقات بالأسعار، بل و”تواطؤهم” من أجل توحيد تسعيرة السوق ضدا على كل التغيرات التي تشهدها السوق العالمية والتي تعرف انخفاضا لافتا لأسعار النفط، بدل هذا فضل مجلس رحو أن يهدد شركات، لم يسمها، باللجوء للقضاء بسبب فرض تكلفة الأداء على الأنترنت على الزبناء، وهو ما اعتبره مراقبون أنه تطبيق للمثل العربي: “أسد علي وفي الحروب نعامة”.

وفي ما يتعلق بالأرباح التي تحققها شركات المحروقات، أصدر المجلس تقريرا أكد فيه بأنه في الفتـرة الممتـدة مـن 2018 إلـى 2021، حققـت شـركتا “Vivo Energy Maroc” و”Winxo” أعلـى هوامـش الربـح فـي فـرع الغـازوال، بمـا يعـادل 1.16 و0.95 درهمـا للتـر علـى التوالـي، مقابـل 0.97 درهـم للتـر كهامـش ربــح حققتــه شــركة “Afriquia SMDC”.

إلا أن المراقبين اعتبروا أن التقرير الصادر عن مجلس المنافسة بـــرَّأ الشركة المغربية “Afriquia SMDC” الفاعلة في مجال المحروقات والتابعة لعائلة عزيز أخنوش الذي يترأس الحكومة، من التهم الموجهة إليها من طرف عدد من الفاعلين السياسيين بخصوص الإستحواد على سوق المحروقات بالمغرب والسيطرة على الملايير من الأرباح الصافية في هذا المجال، وهو ما رصدناه في وقت سابق بالوثائق.

أسئلة عالقة

ويبقى تعاطي مجلس المنافسة بحدة مع ملفات دون غيرها، أو بالأحرى تعاطيه بشراسة مع جل الملفات ما عدا ملف المحروقات، مثار تساؤلات عريضة، عمّا إن كان هذا المجلس سيستمر في تغاضيه عن هذا الملف الذي أنهك المستهلك المغربي وانعكس على حياته المعيشية اليومية أم أنه سيكشر على أنيابه ويفضح لوبي المحروقات الذي راكم ثورة فاحشة بالمليارات، أم أنه سيدس رأسه في الرمل، “كما تفعل “النعامة”، خوفا من أن يطيح هذا الملف الشائك برئيسه من رئاسة مجلس المنافسة كما أطاح بسلفه إدريس الكراوي.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
مغربي
المعلق(ة)
22 مايو 2023 22:13

كان بالأحرى أن يوزعوا ميزانية أجور أعضاء هذا المجلس على عموم المغاربة منذ 2008 افضل من انشاء مجلس يخدم مصلحة لوبي المحروقات وإلا فلماذا اقالوا الرئيس السابق للمجلس

فريد
المعلق(ة)
22 مايو 2023 07:52

المجالس والمؤسسات كثيرة ولكن النتائج قليلة، فحلل وناقش مكامن الخلل.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x