2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
يسر جريدة “آشكاين” الإلكترونية أن تضع بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة تاريخية تتقفى أثر العائلات والأسر الصحراوية التي كان لها أثر بليغ في الصحراء المغربية، وذاع اسمها نظير ما بذلته في مجالات مختلفة من الحياة من خلال ركن “عائلات من الصحراء “.
سنتطرق في حلقة اليوم إلى عائلة أهل علي أحشوش، والتي برزت كواحدة من الأسر الكبرى ذات النفوذ بآسا مطلع القرن 19، والتي بدأت مراحلها التاريخية من الانتقال من زاوية سيدي وبنو، إلى أن بلغ بالعائلة صياغة تحالفات قبلية والمزاوجة بين السلطة والمال وحياة البذخ.
بروز أسرة أحشوش
وقال الباحث في التاريخ، سعيد عدي، إن “أسرة أحشوش برزت كواحدة من الأسر الكبرى ذات النفوذ بمنطقة أسا في مطلع القرن التاسع عشر، واحتفظت بتلك المكانة مدة قرن ونيّف، زاوجت خلالها بين العلم والمال والسلطة السياسية حيث تعاقب أفرادها على زعامة القبائل الأساوية، ولعبوا دور الوساطة بينها وبين المخزن المركزي والجهوي وقبائل الجوار”.
وأكد عدي، في حديثه لجريدة “آشكاين”، أنه “يمكن أن نميز في تاريخ رجالات هذه الأسرة حسب منطوق الوثائق المكتوبة والشفاهية بين مراحل تاريخية عدة كان أولها في مطلع القرن الثامن عشر عندما انتقل جدها علي أحشوش من زاوية سيدي بونو إلى قصر بني مليل، مرورا بظهور رجالاتها الكبار من أمثال الفقيه الطالب امبارك، ولمقدم الحسين بن مبارك، والشيخ عبد الجليل بن الحسين، والفقيه مولود بن عبد الجليل”.
النشأة والامتداد
وبين عدي أن “نسب هذه الأسرة ينتهي محليا إلى جدها “علي” المكنى بـ”أحشوش” الذي نزح من زاوية سيدي بونو إلى المنطقة مطلع القرن الثامن عشر في ظروف تاريخية حرجة، طبعها ضعف الأمن وانتشار الكوارث والمجاعات في عموم المغرب حسب ما أفادت به الذاكرة المحلية” .
وأشار إلى أن “زاوية سيدي بونو تقع بمنطقة محاميد الغزلان، وتسمى أيضا زاوية سيدي امحمد أعبد الله، اشتهرت بموسها السنوي المتزامن مع ذكرى المولد النبوي، ويطلق على المنتسبين إليها اسم البونويين وهم أهل صلاح ونسب شريف، يحظون بتوقير واحترام رسميين بموجب رسم مؤرخ في أوائل جمادى الثانية عام 1171هـ./ موافق لأوائل فبراير 1758م “.
وأكد على أن “علي أحشوش، باعتباره وافدا، تمكن من الاندماج سريعا داخل مجتمع القصر، كان واحدا من المتعبدين الزاهدين؛ عاش حياة الشظف واتخذ كوخا مأوى له ، فتناسل وخلّف الأولاد والأحفاد، ودان له بالتقدير وجهاء قبيلة بني مليل، فأشركوه في أمور القبيلة وقضاياها، إلى أن صار واحدا من رجالاتها”.
اقتران العلم بالسلطة
وحسب نفس الباحث فإن يمكن أن “نُمَيّزُ من بين حفدة أحشوش السباقين إلى اكتساب مكانة اجتماعية رفيعة؛ الفقيه الطالب مبارك بن عبد الله بن علي أحشوش الذي يعد أول أفرادها الواصلين إلى زمام السلطة بالعلم والصلاح، ولم نتوصل إلى وثائق تؤرخ لظروف تنصبه اللهم ما ورد من إشارات في وثيقة تنصيب ابنه الحسين حيث جرى ذكره بالصالح الطالب سيدي مبارك وفقا لمنطوق الوثيقة”.
وأردف أن “الوثائق المتوفرة لم تسعف في معرفة الكثير عن لمقدم مبارك بن عبد الله، سِوى بعض ما تعلق بنشأته وتكوينه مثل وثيقة الهبة العينية التي وهبها له والده عند ختمه للقرآن سنة 1783م وجاء فيها: أشهد لدينا الفقير عبد الله بن علي أحشوش الأساوي ثم المليلي أنه تصدّق على ابنه السيد مبارك بن عبد الله جميع حقلته المعروفة له في تزونت بني مكرز تسمى بتعلان، وماله في بحيرة تحت أزلك المشركة مع عبد الله الشرقِ مع منافعها ومرافقها وكافة حقوقهما والنخيل المنبوت فيما ذكرنا مثمرا وغيره. ما نبت وما سينبت وكذلك الأشجار وما يسقيهما من الماء. تصدق له ذلك صدقة صحيحة قاطعة سرمدية أبدا ثابتة مثبوتة قصد في ذلك وجه الله العظيم وتوابه الجسيم والدار الآخرة، “والله لا يضيع أجر من أحسن عملا”، وأيضا “والله لا يضيع أجر المحسنين” والقصد في ذلك ختم القرآن وكريم الشأن(…)”(انتهى النص). .
نبوغ علمي وصلاح
ويرى عدي أن “النبوغ العلمي وصلاح الرجل أهلاه لتولي أمور القبيلة وتدبير أهم فتراتها التاريخية وأحداثها المصيرية، كالنزاع بين بني مليل والمرابطين حول قصبة أسا بعد واقعة هدمها، وما أعقب المرحلة من أحداث”.
تزاوج المال والسلطة
واعتبر الباحث الذي يحدثنا خلال هذه الحلقة أن “الوضعية السياسية التي أعقبت وفاة الفقيه الطالب مبارك، ساهمت بشكل مباشر في إقرار رأي أهل الحل والعقد، على إقراره ابنه الحسين مقدما على القبيلة”.
وأضاف أن “الحسين بن مبارك أحشوش لم يكن رجل علم؛ بل رجل مال؛ راكم ثروة معتبرة في ذك الوقت بتعاطيه تجارة الرقيق والتبر والحلي والخنط ، أهلته إلى صدارة المجتمع الواحي بأسا سنة 1830م، وهو التاريخ المفترض لوفاة والده مبارك بن عبد الله، كما تفصح عن ذلك إحدى أهم وثائق هذه الأسرة: “بالاتفاق بالإصْلاح بينهم؛ قَدَّموا وَلَدَ الصالح الطالب المرحوم بالله سيدي مبارك بن عبد الله أحشوش، ابنه الحسين بن مبارك أحشوش على مصالحها(…) قدمنا الله ورسوله للحسين على الصُّلح والخير والفرح والسُّرور، جعله الله قنديلا لا يطفى، وسيفا لا يحفى”.
واسترسل شارحا بأن “تولية الحسين بن مبارك على شؤون القبيلة له محفزاته ودوافعه، وهو ما سكتت عنه الوثائق المكتوبة، وأفصحت عنه الذاكرة المحلية التي اعتبرته نتيجة للتباري بينه وبين منافسيه على منصب الزعامة؛ حيث تحدث من قابلناهم عن احتكام آيت اربعين إلى اختبار قدرة الطامحين إلى الزعامة على القيام بها على نحو أكمل، وجعلوا القدرة المادية شرطا محددا لها، مما يُضعِفُ فرضية انتقال المنصب إليه بالوراثة”.
هيكلة الحياة السياسية
“تمكن الحسين بن مبارك”، حسب ما أفاد به الباحث عدي “من إعادة هيكلة الحياة السياسية والاقتصادية عبر تدبير المجال الواحي، وإقرار الأمن والعدالة العرفية، وبلغت خلال عهدته منطقة أسا أوجها وذروة رخائها وازدهارها الاقتصادي والأمني، وتمكن من نسج علاقات متينة مع مختلف القبائل المجاورة وزعمائها”.
ولفت الانتباه إلى أن “أيت اربعين شكلت مؤسسة سلطة قضائية اضطلعت بالتحكيم العرفي وفض النزاعات ذات مستوى محدد كما في حالة نزاع كان بين مرابط أسا مسعود بن عبد الرحمن أمحجي، وورثة سيدي علي بن عبد الرحمن مرابط أسا التبولتي سنة 1850م”.
وتصف المصادر الشفاهية التي نقلها لنا الباحث “حجم الثروة التي راكمها الحسين بن مبارك بما تجاوز الخيال، وبما لا يخطر على بال، قوامها أملاك العقار وقطعان الماشية والعبيد والذهب والفضة وصنوف المال، منها ما كان من كده، وما صار إليه بالإرث من والدته فاطمة بنت محمد بن ابراهيم بتافيلالت، كما تفيد وثائق أسرة أحشوش”.
وحسب ما تواتر في ذكره من أخبار؛ يضيف الباحث ذاته “فقد أوتي الحسين من الحكمة ما جعله رمزا من رموز مجتمعه، وتمكن من إقرار العرف، وحماية الواحة من الاستغلال الجائر، وإحلال العدل وفرض الأمن داخل المجتمع الواحي.”
تحالف العشائر و”حياة البذخ”
وتابع المتحدث أن “عبد الجليل علاقات متينة مع مختلف العشائر القبلية وبنى تحالفا متينا مع أيتوسى الساحل لاسيما منها “إداوتيا” بواسطة عقود الأخوة المعروفة محليا بـ”تكمات”، ومع ومع أيتوسى الشركَ وتحديدا “إداومستر” عن طريق المصاهرة، كما وطد علاقاته مع قبيلة تركز وقبيلة أزوافيط وإد براهيم ومريبط وغيرها من القبائل والزوايا المجاورة والنائية مثل زاوية الشيخ ماء العينين، وانخرط في دعم حركتها الجهادية ضد الاستعمار، وتوثق رسالة بعثها محمد المصطفى امربيه ربه من أجل جمع أعشار الزروع إعانة للمجاهدين، وهي مشفوعة بتقييد دفع عبد الجليل ثمانين صاعا، أربعين صاعا من تمر وأربعين من شعير .
ويُفْصِحُ أرشيف الأسرة، يورد المصدر ذاته عن “علاقاته الوطيدة مع قادة مختلف القبائل، وهذا القائد يوسف الأيتوسي يستقدمه لزيارة مضارب أيتوسى في رسالة ودية أرفقها مع فارس وفرس تيسيرا لسفره إليه”.
وخلص إلى أن “عبد الجليل عاش حياة باذخة، وإليه ينسب تشييد الدار الكبيرة العلوية، وكان مزواجا، استتبَّ له الأمر بفضل مكانة والده، وبفضل علاقات المصاهرة التي ربطته كما أبناءه مع الأسر الرفيعة بمنطقة أسا، بيد أن هذه العلاقات سرعان ما لعبت أدوارا عكسية بعد تفسخ سلطته في آخر حياته بفعل الخلاف بين أبنائه غير الأشقاء، تزامنت وفاته مع دخول أسا تحت السيطرة الاستعمارية سنة 1934م، وتنصيب زعامات مخزنية جديدة للمنطقة من قِبلِ الإدارة الفرنسية”.
الحلقات السابقة
عائلات من الصحراء: أهل الشيخ بيروك.. عائلة بسطت نفوذها التجاري من وادنون إلى السودان
عائلات من الصحراء: أهل العرابي..شبكة وكلاء تجاريين مسلمين ويهود بين الصويرة وتمبكتو
عائلات من الصحراء: أهل بوكَرين.. محافظ صاغ “عقد الخاوة” وأنقذ مدونة زاوية آسا من الضياع
عائلات من الصحراء: أهل لعريبي.. “خرقت” قاعدة انتماء وامتلكت منازل للكراء بتمبكتو