2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
أعلام من الصحراء: أبّا الشيخ..قائدٌ باع إبِلَهُ لتسليح المُقاومة و وشّحه الحسن الثاني بوسام فارس
يسر جريدة “آشكاين” الإلكترونية أن تضع بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة رمضانية تمتح من عبق التاريخ المغربي وارتباطه بمكونه الصحراوي، وتصول و تجول بنا عبر امتداد هذا التاريخ، في الأثر الذي أحدثه قادة وشيوخ و أدباء و سياسيون وأعلام صحراويون في تراتبية هرم السياسة و الثقافة المغربية، من خلال برنامجكم الرمضاني “أعلام من الصحراء”.
ولن تخضع سلسلة ” أعلام من الصحراء” لتعيير كرونولوجي معين، بقدر ما ستحتكم إلى إشعاع العَلَم المُراد تناولُ نفحاتٍ من سيرتِه و تسليطِ الضوء على أهم الجوانب منها، عبر شهادات حية لباحثين أو أقارب أو مهتمين، أو من خلال استقراء التاريخ دون الخضوع لكرونولوجيا معينة في حكي مناقب شخصياتنا.
سنتطرق في حلقة اليوم من سلسلة “أعلام من الصحراء“، إلى شخصية اشتهرت بمواقف مبدئية في الدفاع عن الوحدة الترابية للوطن ومقاومة المستعمر بكل الطرق، كما أنه حظي بتوشيح الملك الحسن الثاني له بوسام من درجة فارس نظير عطائه، إنه” أبا الشيخ بن أبا علي.
الولادة والمنشأ
هو أبا الشيخ بن السالك بن أبا اعلي بن ابريكة بن أبا علي بن قاسم بن إبراهيم بن داوود بن امحمد بن قاسم بن الشيخ سيدي أحمد الركيبي، وفق التعريف المصاحب لاسمه في موسوعة “معلمة المغرب”، في جزئها 26 و27.
ولد أبا الشيخ سنة 1924 بالساقية الحمراء ببادية مدينة السمارة؛ فهو ينتمي إلى بطن أهل القاسم أوبراهيم من قبيلة الركيبات، وكان مضرب خيام أهله يلقبون ب (محصر لعناية)؛ أما عشيرته فتدعى “خيمة النص” أو”الخيمة الكبيرة” وسُمّوا بذلك لأن خيمتهم كانت توجد في وسط الصحراء في منطقة كلتة زمور.
وقد كان الناس القادمون من الشرق أو الساحل أو القبلة أو التل يقصدونها ويقيمون عند أهلها، الذين تميزوا بالشجاعة والكرم وإنصاف المظلوم؛ كما كانوا يتصدون للهجومات الفرنسية إبان التغلغل الإستعماري في المنطقة، حسب ما أفرده “معلمة المغرب”.
تعليمه
وأدت طبيعة الحياة التي ترعرع فيها المقاوم أبا الشيخ “لعدم تلقيه من التكوين سوى التعلم في الكُتّاب بعض مبادئٌ القرآن واللغة العربية والفقه”.
دهاء عسكري
“وأما أهم مآثره”، يورد المصدر ذاته، فقد كان “الشعر الحساني، حيث تحدث عن الأرض والوحدة الوطنية والحب والحكمة. إلى جانب ذلك قيلت فيه أشعار حسانية كثيرة تنويها بخصاله الحميدة من كرم وشجاعة وحماية للجار والضعيف؛ كما قيلت فيه مراثي عديدة”.
كان أبا الشيخ، يسترسل كتاب موسوعة “معلمة المغرب” في سرد خصاله، “معروفا لدى عامة الناس بالشجاعة والصرامة والمروءة النادرة وخاصة في أوقات الحرب، وكان رزينا متريثا متصفا بالحكمة والحنكة والدهاء العسكري الذي مكنه من الإنتصار دائما في المعارك التي شارك فيها في إطار المقاومة وجيش التحرير”.
باع إبله لتسليح المقاومة
وهكذا فقد عمل في صفوف الحركة الوطنية ما بين سنتي 1949-1952؛ إذ قام بتعبئة السكان وبث روح الحماسة فيهم لتحفيزهم على مواجهة المستعمر.
و مما يسجل له، حسب نفس الرواية، أنه “باع قطيعا من إبله واشترى بثمنها بعض السلاح و عدداً من (الراديوات) لكي تتمكن المقاومة في الجنوب من معرفة نضال الوطنيين في الشمال.
كما سجل له كذلك أنه ترأس وفدا من أبناء عمومته بتاريخ 20 فبراير 1956 يزيد على عشرين نفرا منطلقا من الساقية الحمراء قصد تقديم البيعة لجلالة المغفور له الملك محمد الخامس.
مقاومته الشرسة للاستعمار
بعد ذلك ترأس أبا الشيخ إحدى المجموعات المسلحة التي تنتمي إلى جيش التحرير فقاد هجوم أم لعشار الأول سنة 1956 حيث كانت الانطلاقة من كلميم في اتجاه فم الحصن (إيمي أوكادير) حيث انضمت إليهم مجموعة أخرى من المقاومين، وقد أصيب أبا الشيخ و محمد ولد برهاه بجروح بسيطة، وكان بصحبة هذه المجموعة سيارتان واحدة أتلفها القذف والثانية حملوا فيها المعطوبين الذين كان عددهم أربعة عشر وقد استشهد واحد منهم أصله من ناحية الخميسات بزمور.
وأمضى أبا الشيخ، بعد هذا الحادث، مدة من الزمن بمستشفى أكادير وبعد أن شفي التحق بمجموعته التي انتقلت إلى اعوينة تركز بعدها إلى بئر أم اكرين لأن جيش التحرير كان يخطط لهجوم كاسح يشمل مناطق عديدة : بئر أم اكرين وفم لعشار ومركالة وأزمول؛ لا تتعدى مدته ليلة واحدة”.
ويضيف المصدر المكتوب نفسه، أنه “قبل بداية الهجوم اتجهت المجموعة التي يرأسها أبا الشيخ إلى (مركالة) ولما علم المستعمر بخطة المقاومين المتمثلة في قيام هذه الفرقة بمحاصرة القوة الاستعمارية القادمة من تندوف، بدأ هجومه في الساعة الثامنة صباحا مستعملا الأسلحة الثقيلة (الطائرات والدبابات)؛ فجرح أبا الشيخ ورغم ذلك شارك في المعركة وأبلى بلاء حسنا و قام بتنظيم أفراد مجموعته الذين لا يتجاوز عددهم ثلاثين فردا وقادهم إلى تركانت، حيث التقوا بفرقة أخرى يترأسها حبوها بن لعبيد وامبارك منار، وقد تبادل الطرفان الآراء حول الهجوم، فقال أبا الشيخ أن الهجوم كان ناجحا وطلب منهم التريث حتى لا يعلم العدو القوة التي يتوفر عليها جيش التحرير”.
بعد هذا الجدال العسكري، يستطرد المصدر التاريخي نفسه، اتجهت فرقته من جديد لنجدة إحدى الفرق التي كان يرأسها البلال بن هداء، والتي هاجمتها القوات الاستعمارية هجوما عنيفا خلف استشهاد أربعة عشر وطنيا كما أسر محمد بن السالك بن أبيري الذي رفض الإدلاء للمستعمر بمعلومات عن تحركات المقاومة وجيش التحرير.
وبعد هذه المعركة عاد أبا الشيخ إلى المركز بتاركانت ورقي إلى درجة قائد المائة ثم انتقل إلى هجوم “أرغيوة” الذي كان من أنجح المعارك التي شارك فيها المرحوم أبا الشيخ بجانب أخيه الأكبر المسمى حمدي ولد السالك الذي كانت مشاركته فعالة بعد هجوم “تكّل”.
وفي هذه المعركة تمكن أحد أفراد فرقته وهو علي بويا بن ميارة؛ الذي كان قائد المائة من أسر أحد جنود المستعمر وعندما انتهت فرقته من مهمتها رجع بعض أفرادها إلى واركزيز بينما ذهب أبا الشيخ والشريف بن المختار إلى واد الساقية الحمراء حيث كانت تتمركز جل قوات جيش التحرير على طول خطه وبصحبتهما ابنه محمد، الذي كان يريد التوجه إلى الدار البيضاء للدراسة.
وأثناء انتظار وسيلة النقل هاجمتهم القوات الاستعمارية بالروظة (مزار الحاج أحمر اللحية) بضواحي السمارة، وهو الهجوم المسمى “الهجوم الثلاثي” وفيه برزت شجاعة وبسالة أبا الشيخ وأسر منهم تسعة أفراد وقتل سبعة ولم يبق على قيد الحياة إلا محمد بن أبا الشيخ وشخص آخر من أهل بارك الله يسمى محمد بن اعثيمين.
ترقية عسكرية وأوسمة ملكية
ولما استرجع المغرب استقلاله انتقلت عائلات صحراوية عديدة إلى منطقة طنطان وكلميم وأكادير، كان من بينها أهل أبا الشيخ الذي انضم إلى القوات المسلحة الملكية سنة 1960، حيث أصبح يشغل رتبة ملازم ثم رقي إلى رتبة قبطان سنة 1967 حيث أمضى مدة من الزمن بالناحية الشرقية (الزاك – أسا – فم الحصن – طاطا – لبيرات – المحبس)؛ ثم وشحه الملك الراحل الحسن الثاني بوسام من درجة فارس سنة 1973 بعد ذلك وشح بوسام من درجة قائد عند تقديم البيعة بأكادير سنة1990.
رفض إغراء الإستعمار
وحسب الرواية الشفاهية المدونة في “معلمة المغرب”، فقد كان أبا الشيخ “يحمل بطاقة مقاوم تحت رقم 160 بتاريخ 1975/1 وبينما كان يقود حامية عسكرية عدد أفرادها خمسة وأربعون جنديا حوصر من قبل الاستعمار الإسباني فسلم نفسه، لا خوفا على حياته وإنما حفاظا على أرواح العسكريين المرافقين له، فأسروه ونقلوه إلى مدينة الداخلة حيث أغروه بالمال والجاه مقابل التنازل عن مبادئه المتشبثة بالوحدة الوطنية لكنه رفض مصرا بإيمانه بوحدة وطنه ومغربيته”.
وتابع المصدر نفسه، أن أبا الشيخ قد ساهم في إنجاح المسيرة الخضراء؛ كما أنه كان عضوا نشيطا في المجلس الإستشاري الخاص بشؤون الصحراء الذي أسسه الملك الراحل الحسن الثاني في سنة 1981، حيث يعتبر أبا الشيخ ولد أبا اعلي رجل التوافقات الكبرى؛ إذ كان يدعو إلى الوحدة ويتدخل لفض النزاعات ويحارب العصبية القبلية ويساند الإلتحام والإلتفاف حول السلطان كرمز للوحدة؛ فلعب دور واسطة العقد ما بين الإدارة المركزية والقبائل، لذلك فهو نموذج للنخبة الفاعلة المنغرسة اجتماعيا للمساهمة في الوحدة الوطنية والهادفة إلى الاندماج والتنمية والمشاركة الفعالة.
وفاته
توفي في مدينة الطنطان بتاريخ 8 مارس 1991.
الحلقات السابقة:
أعلام من الصحراء: دحمان..القايد الذي احتضن منزله تأسيس جيش التحرير
أعلام من الصحراء: الباشا البيضاوي..شاعر طريف رافق السلطان مولاي حفيظ في سفره
أعلامٌ من الصحراء: الخرشي..قائدٌ استعصى على ضبّاط الإستعمار الفرنسي واستقبله محمد الخامس
أعْــلام من الصحراء: الجُــماني..رئيسُ “الصحراء” الذي ارتدى سِلْهامَ الحـسن الثاني
أعْــلامٌ من الصحراء: محمد الشكّوطي..عَـيْـنُ المقاومة داخِل ثكنات الجيش الإسباني
أعـلامٌ من الصّحراء: الدّاي ولد سيدي بابا.. مـوريتاني تَـرأَّسَ البرلمان المغربي