يسر جريدة “آشكاين” الإلكترونية أن تضع بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة تاريخية تتقفى أثر العائلات والأسر الصحراوية التي كان لها أثر بليغ في الصحراء المغربية، وذاع اسمها نظير ما بذلته في مجالات مختلفة من الحياة من خلال ركن “عائلات من الصحراء”.
سنتطرق في حلقة اليوم إلى عائلة أهل الشيخ إعزى، والتي عرف مؤسسها بالتصوف، وجمع بين العلم والهندسة، كما أن المختار السوسي وصفه في كتاب المعسول بأنه أول مصنّع للبارود في مواجهة المستعمر.
وقال الباحث في التاريخ، الحسين حديدي إن “منطقة وادنون عرفت عبر تاريخها العريق عدة أسر علمية نافحت عن العلم وكرست وقتها من أجل نشره وتحقيق سبل إشعاعه، ولعل أسرة الولي الشيخ إعزى ويهدى، إحدى أبرز الأسر العلمية والصوفية التي عرفتها منطقة وادنون بشكل خاص، ومناطق سوس ودرعة العليا ووواحات باني بشكل عام”.
ويرى حديدي، متحدثا لـ”آشكاين”، أنه “لا غرابة أن يحظى هذا الولي باعتراف الناس والتفافهم حول مشروعه العلمي والروحي، الذي توجَهُ بتأسيس رباطه العلمي والجهادي ببلدة آسا في القرن 7 هجرية الموافق لـ13 ميلادية، وهي البلدة التي قضى بها حياته، وبها خلف ذريته التي تناسلت في الجنوب من وادي درعة إلى المحيط، وحملت شعار العلم والجهاد ضد الوجود البرتغالي والاسباني بالسواحل المغربية بمناطق سوس”.
وفاة الشيخ واتساع نفوذ رباطه
وأوضح المتحدث أنه “بوفاة الشيخ المؤسس رحمه الله فاتح ربيع الأول عام 726 هجرية، اتسع نفوذ رباطه الديني والروحي في عهد أبنائه وأحفاده، ليحمل اسم زاوية آسا، حيث تمكنت ذرية الشيخ إعزى ويهدى فيما بعد من تجاوز مجالها الآساوي جغرافيا بالانتقال إلى تخوم المناطق السوسية والدرعية شمالا وشرقا وغربا، نشرا للعلم، ودفاعا عن دار الإسلام من كيد المناوئين”.
وأشار إلى أن “ذريته ربطوا علاقات جيدة مع مشايخ الزوايا الأخرى المجاورة، كالزاوية الناصرية بتامكروت بدرعة، ثم تحول نفوذ أسرة أيت إعزى ويهدى بعد ذلك إلى سلطة سياسية زمنية تحافظ على مناطق نفوذها وعلى بقائها بالوسائل العسكرية، شأنها شأن باقي الزوايا المغربية زمن السعديين والعلويين”.
ولفت الانتباه إلى أن “عدة مصادر تحدثت عن مناقب هذه الأسرة، ومناطق انتشار قبورهم وأضرحتهم، ولعل كتاب المعسول لمحمد المختار السوسي، ثم كتاب ” سبيل الهدى في مناقب أيت إعزى ويهدى” لمحمد بن سعيد المرغيتي، أهم مصدرين في معرفة سيرة أبناء وأحفاد هذا الولي الذي ذاع صيته وانتشر خبره بين سكان المنطقة جيلا بعد آخر”، إذ شكلت زاويتهم بآسا المعلمة الدينية والتراث المادي الشاهد على تاريخهم الروحي والعلمي العريق، رغم انتشار أضرحتهم في كافة ربوع المناطق السوسية والوادنونية”.
الجد المؤسس للأسرة اليعزاوية
وحسب الباحث حديدي، فإن “الشيخ إعزى ويهدى يمثل في الذاكرة الآساوية أحد أهم العلماء والأولياء من أهل العلم والصلاح، الذين ارتبط بهم تاريخ المنطقة العلمي والصوفي، رغم وجود صلحاء وأولياء آخرين ذاع صيتهم ببلدة آسا لاسيما الشيخ محمد الشبكي وسيدي صالح وغيرهم”.
وأردف أن “مختلف المصادر المكتوبة والرواية الشفوية المتواترة، تشير إلى أن بناء وتشييد رباط آسا العلمي والصوفي، يعود أساسا إلى الوافد الجديد القادم من بعيد، المشهور عند سكان المنطقة بالولي الشيخ سيدي محمد اعزى ويهدى”.
الولادة
“وردت قصة ولادته ونشأته بتفصيل كبير”، يسترسل المتحدث ضمن “كتاب “المعسول” الجزء العاشر لصاحبه محمد المختار السوسي، وكان ذلك أول 646 هجرية بدار الأمير الموحدي العالم بالله مولاي يعقوب المنصور بمدينة مراكش، وفق ما جاء على لسان الشيخ محمد إعزى ويهدى عن نفسه في مذكرات مختصرة من حياته”.
وأضاف أنه “باستثناء النزر اليسير مما جادت به بعض المصادر السوسية، لا تتوفر معلومات شافية عن نسب وأصول هذه الشخصية العلمية، ويبقى الاستئناس بما كتبه محمد بن سعيد المرغيتي أهم ما كتب عن نسب هذا الولي”,
وبسط حديدي ما جاء “في ترجمته في وثيقة أوردها محمد المختار السوسي تنسب للعلامة محمد بن سعيد المرغيتي ما نصه “..هو سيدي يعزى ويهدى بن محمد بن موسى بن أبي بكر بن يوسف بن عيسى بن صالح بن أحمد بن إبراهيم بن الحسين بن علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن أحمد بن القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد المسمى الجوزي بن القاسم بن الناصر بن عبد الرحمان بن أبي زيد بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي بكر الصديق””.
تعليمه
وأورد أن “الشيخ تلقى تعليمه الأول في الكتاتيب القرآنية، حيث تولت جدته لأمه إرساله إلى الكتاتيب وهو ما عبر عنه في مذكراته، كما لقنته جدته لأمه بعض أوجه التربية الصوفية، حيث يستشف من كلام الشيخ إعزى ويهدى الاهتمام الكبير الذي أولته جدته لأمه في تربيته وتعليمه، وكأنها كانت تتنبأ له بمشروع روحي كبير على يديه في المستقبل، فكانت حريصة على تمسكه بالعلوم الدينية والتربية الروحية الإيمانية لمنحه طاقة أكبر على التعلم، وتحفيزه على الجد والاجتهاد ومصاحبة الأخيار، والصبر على متاعب الحياة، وهي قيم تربوية لا يمكن الاستهانة بدورها الفعال في إعداد الأجيال”.
وفرة الماء وتفوق في العلوم والهندسة
“ومما ينسب إليه أيضا من كرامات”، حسب نفس المصدر “حسن الإجابة وتوجه الخلق نحوه، ثم أنه لا يرد دعاء زائره أبدا، وأن الله جعله وذريته على سائر الماء الخفي، وأن كل موضع سكن فيه أيت إعزى ويهدى لابد فيه الماء ولو لم يكن في الأصل، إلى جانب أنه يعطي الفروسية ويمنحها من أراد بقدرة السميع العليم”.
وشدد على أن “محمد بن سعيد المرغيتي أبرز مكانة العالم محمد إعزى ويهدى وعدَّد بعضا من كراماته، ومنها تفوقه في العلوم والهندسة والولاية على غيره من الأولياء”.
“أول مصنع للبارود”
“ووصف المرغيتي من خلال هذه الأسطر الشيخ محمد إعزى ويهدى بالحكمة والذكاء”، حسب ما نقله الباحث حديدي لنا، “بل ذهب السوسي إلى حد وصفه بصناعة البارود إذ يعتبر حسب المختار السوسي “… أول من أحدث صناعة البارود وغيرها من المكاحل من جميع الالات””.
وتساءل الباحث “حول تاريخ اكتشاف البارود، وهل فعلا إعزى ويهدى مكتشف البارود، أم أن ما ورد في الوثائق التي اعتمدها محمد المختار السوسي، يفيد بأن الولي إعزى ويهدى، يعتبر من الأوائل الذين استعملوا البارود لتجهيز أتباعه ربما إحياء لسُنَّة الجهاد في المناطق الساحلية الجنوبية المغربية ضد الوجود الإيبيري دفاعا عن بيضة الإسلام”.
الحلقات السابقة
عائلات من الصحراء: أهل الشيخ بيروك.. عائلة بسطت نفوذها التجاري من وادنون إلى السودان
عائلات من الصحراء: أهل العرابي..شبكة وكلاء تجاريين مسلمين ويهود بين الصويرة وتمبكتو
عائلات من الصحراء: أهل بوكَرين.. محافظ صاغ “عقد الخاوة” وأنقذ مدونة زاوية آسا من الضياع
عائلات من الصحراء: أهل لعريبي.. “خرقت” قاعدة انتماء وامتلكت منازل للكراء بتمبكتو
