2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
يسر جريدة “آشكاين” الإلكترونية أن تضع بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة تاريخية تتقفى أثر العائلات والأسر الصحراوية التي كان لها أثر بليغ في الصحراء المغربية، وذاع اسمها نظير ما بذلته في مجالات مختلفة من الحياة من خلال ركن “عائلات الصحراء”.
سنتطرق في حلقة اليوم إلى عائلة أهل أحمد بلعراف التكني، كأحد الأسماء الوادنونية البارزة، والتي ربطت بين الصحراء المغربية ودول غرب إفريقيا من خلال تجارته ومؤلفاته وتأسيسه لخزانة علمية غنية.
توطئة
يرى الباحث في التاريخ، الحسين حديدي، الذي يرافقنا خلال هذه السلسلة، أن “أحمد بلعراف التكني الوادنوني يعتبر أحد العلماء الأجلاء في منطقة واد نون خلال النصف الثاني من القرن 19 ميلادي والأول من القرن العشرين، لإسهاماته العلمية المتميزة في مختلف ميادين المعرفة، التي راكمها من خلال جولاته العلمية في الصحراء وحواضر شنقيط وغرب إفريقيا، لاسيما حاضرة تمبكتو التي استقر وتوفي بها، حيث احتك بالعلماء في كل جولاته وأفاد واستفاد، ومنَّ الله عليه بالمال والعلم، فسخر حياته للتأليف ونشر العلم، ومثَّلَ بذلك أحد رسل العلم الوادنونيين المغاربة في غرب إفريقيا”.
حياته
حسب ما أفاد به حديدي، متحدثا لـ”آشكاين”، فإن “العالم أحمد بلعراف ينحدر من قبيلة أيت موسى وعلي من لف أيت اجمل باتحادية تكنة، ولد بمدينة كلميم عام 1864 ميلادية، من أسرة علمية عريقة جمعت بين العلم والتجارة”.
وأورد أنه “تلقى تعليمه الأول بمسقط رأسه بكلميم على يد والده وأعمامه، فحفظ القرآن الكريم وبعض مبادئ العلم، قبل أن يرحل إلى بلاد شنقيط ويستكمل العلم بها على يد ثلة من العلماء فظهر نبوغه بها، وانتقل بعد ذلك لتمبكتو حيث اتخذها مستقرا له”.
تدريس علماء
أشار حديدي إلى أنه “خلال استقراره بتمبكتو نبغ هذا العالم في عدة مجالات ومنها الفتوى، حيث كانت تحال عليه المسائل الشائكة من مختلف المناطق بمالي وموريتانيا والنيجر والسينغال ونيجيريا، ودرَّس في جامعة سنكري ومسجد سيدي يحيى، والمسجد الكبير المعروف بجنكري ببير، وغيرها من المراكز والمؤسسات العلمية، تتلمذ على يديه عدد من العلماء منهم: يحيى بن محمد بن خطار الأرواني، ثم محمد محمود الأرواني، وأحمد بابير الأرواني”.
خزانته العلمية
وأضاف أنه “قد صرف همته لحفظ العلم وصيانة الكتب ومساعدة العلماء وتشجيعهم على التأليف، واشتهر بمكاتبته للخزانات والمكتبات العربية لأجل تزويده بالكتب ونوادر المصادر، التي أغنى بها خزانته بتمبكتو التي أسسها عام 1907 ميلادية، والتي ضمت حوالي 2076 مخطوط ورسائل ووثائق وكتب عام 1945 ميلادية، وتناولت عدة مواضيع علمية ودينية وأدبية وغيرها من الفنون”.
ولفت حديدي الانتباه إلى أن “أحمد بلعراف التكني يزاول تجارة الكتب إلى جانب السكر والشاي، حيث بعث عدة رسائل في هذا الشأن للتجار المغاربة بمالي والسينغال ونيجيريا، واستورد الكتب من لبنان ومصر وتونس وطرابلس، وسخر أمواله لخدمة العلم والعلماء”.
وتابع الباحث في حديثه للجريدة عن أحمد بلعراف أن الأخير كان “يعتني بالنساخ داخل فضاء خزانته، الذين ينسخون الكتب والمخطوطات، ومنهم محمد الطاهر بن شرف بن باب شرف توفي عام 1968 ميلادية، حيث كان هذا ديدن العالم أحمد بلعراف الذي شاعت مكانته وصيته بدول غرب إفريقيا”.
وفاته
ويروي لنا حديدي أن “بلعراف توفي بتمبكتو عام 1955 ميلادية، ودفن بمقبرة سيدي الوافي، ورثاه الشعراء والعلماء من دول غرب إفريقيا وموريتانيا، ومنهم العالم محمد الأمين بن باريك الذي رثاه بقصيدة نستطرد منها الأبيات التالية:
يا للعــلوم ويا لـكتبها أســفا * لأهــلها إذا غـدت لـها بلاهــم
أضحت مدارسها قـــفر أماكنها * وليـــس فيها سوى الغربان والـــــرخم
إذا بها اليـــوم صاح لا يجــاوبه * سوى الصدى وسوى الرياح من نغم
حتى بأحمد بولعراف قد منحت * فكم بها شاد من درس ومـــــــــن إضم
أقمــت عاليها أسست ســافلها * عـــمرت داخـــــــــله بكتــــــــبك الكـــــــــرم
أهم مؤلفاته
بعد وفاته، يسترسل حديدي “تحسر الباحث الهادي المبروك الدالي على حالة خزانة أحمد بلعراف التكني، نظرا لما أصابها من تصدع البناء وتمزق المخطوطات وتعرض بعضها للتلف والغبار والضياع بسبب الإعارة”.
ونبه إلى أنه “قد وجد بهذه الخزانة عدة مؤلفات تنسب للعالم أحمد بلعراف التكني في عدة تخصصات، أحصى الهادي المبروك الدالي منها حوالي 39 مؤلفا موزعة بين ما هو مخطوط ومنها ما هو مطبوع، وأهمها كتابه: “إزالة الريب والشك والتفريط في ذكر المؤلفين من أهل التكرور والصحراء وأهل شنقيط””.
وخلص إلى أن هذا المؤلف “بمثابة وثيقة تاريخية وقيمة علمية إضافية لغناه المعرفي وأهمية القضايا التي يعالجها، حيث يعنى بالتراجم والتاريخ لكونه يؤرخ لعدد من العلماء من الصحراء وشنقيط ودول غرب إفريقيا، ويرصد تاريخهم وانشغالاتهم العلمية وإسهامهم في إشعاع الحركة العلمية والدينية في الغرب الإسلامي، وتمتين عرى التواصل بين المغرب وغرب إفريقيا”.
الحلقات السابقة
–عائلات من الصحراء: أهل الشيخ بيروك.. عائلة بسطت نفوذها التجاري من وادنون إلى السودان
–عائلات من الصحراء: أهل العرابي..شبكة وكلاء تجاريين مسلمين ويهود بين الصويرة وتمبكتو
–عائلات من الصحراء: أهل بوكَرين.. محافظ صاغ “عقد الخاوة” وأنقذ مدونة زاوية آسا من الضياع
–عائلات من الصحراء: أهل لعريبي.. “خرقت” قاعدة انتماء وامتلكت منازل للكراء بتمبكتو