لماذا وإلى أين ؟

أزرف ن تمغارت تمازيغت: الفقه القديم وحقوق المرأة

سلسلة “أزرف ن تمغارت تمازيغت” هي نافذة تمكن قراء وزوار الصحيفة الرقمية “آشكاين” التعرف على قيمة وأهمية المرأة لدى الأمازيغ في كل مناحي الحياة، إن على المستويات الإجتماعية؛ الثقافية، الإقتصادي وحتى السياسية، كما أنها (السلسلة) مناسبة للتطرق للنقاش الدائر اليوم حول إصلاح مدونة الأسرة بمنظور أمازيغي يتأسس على العرف الذي كان ينظم مجمتع القبائل المغربية الأمازيغية.

أزرف ن تمغارت تمازيغت: الحلقة 19 .. الفقه القديم وحقوق المرأة

في إطار النقاش الدائر اليوم حول إصلاح مدونة الأسرة، إنقسم المجتمع المغربي في عدد من القضايا؛ خاصة تلك التي تخص حقوق المرأة؛ من إرث والولاية على الأبناء والأموال المكتسبة وغيرها، حيث يعتمد طرف على الفقه الإسلامي القديم في ما يعتمد البعض الآخر على القوانين الوضعية؛ سواء الدولية أو المحلية (الأعراف الأمازيغية).

في هذا الإطار، كشف المفكر أحمد عصيد، أن الفقه الإسلامي القديم والإقطاع المحلي القائم انذاك على علاقات عبودية ساهم في ضياع حقوق النساء والرجال معا، مشيرا إلى أن الفقه الإسلامي في العديد من الممارسات التي كانت من قبل تكرس مركزية المرأة باعتبارها عماد الحياة الأسرية والاجتماعية، أسهم في انقلابها إلى معاملة تحقيرية أضرت عبر القرون بمصالح النساء الأمازيغيات بشكل كبير.

والكثير من المحسوبين على تيار الإسلام السياسي يطرحون اليوم الشريعة كما لو أنها قلعة مغلقة وداخلها محتويات محسومة بشكل مطلق وكامل، ولا يمكن لأحد الدخول إلى هذه القلعة ولا تغيير محتوياتها ولا فتح النوافذ والأبواب لتدخل نسمة هواء أو خيط من الضوء.

هذا المنظور المتخلف والجامد هو الذي صنع تخلف المسلمين عبر العصور، بينما الحقيقة أن ما يسمونه الشريعة هو أحكام نتجت عن قراء ات قام بها فقهاء انطلاقا من واقعهم ومن ظروف عيشهم، وهؤلاء هم “الوسطاء” بين النص والمجتمع، وهم الذين إما يخدمون الواقع باجتهاداتهم أو يفسدونه.

ونشير في هذا الصدد إلى أن الفقه الأمازيغي السوسي مثلا، لم يكن يشتغل بهذا المنطق المغلق أبدا، بل على العكس تماما كان يقوم بالملاءمة الضرورية بين نصوص الدين والواقع الإنساني بسوس، ولهذا نجد فيما يسمى “العمل السوسي” الذي هو اجتهادات فقهاء سوس في “النوازل”، ما يفيد بأن المدرسة الفقهية السوسية تعطي نموذجا للاجتهاد ينبغي أن يعتبر به هؤلاء المنغلقون الذين لا يهمهم إلا تقليد القدماء من الأموات، عوض التفكير في مصالح الأحياء من الناس.

فالمقطع الذي قام عليه الفقه السوسي هو مراعاة مصالح الناس في الواقع العملي، ولهذا عندما وجد الفقهاء بأن القبائل الأمازيغية لا تقطع يد السارق ولا ترجم بالحجارة ولا تعتمد العقوبات الجسدية، فهموا المغزى من ذلك وهو احترام جسم الإنسان وسلامته الجسدية حرصا على الحفاظ عليه عضوا عاملا ومنتجا في القبيلة التي تحتاج إليه في الحياة الفلاحية كما تحتاج إليه في الحروب والدفاع عن القبيلة، ولهذا أقر فقهاء سوس هذه المناطق على أعرافها، كما أقرهم عليها ملوك وسلاطين المغرب.

المفكر أحمد عصيد

نجد مثلا المختار السوسي يؤكد بأن القوانين العرفية الأمازيغية بسوس “مطابقة للشريعة الإسلامية” وهو يقصد أنها مطابقة لها في غاياتها السامية التي هي الحفاظ على المصالح وعلى الكرامة الإنسانية، ولهذا نجد في مناطق سوس جميعها مدارس قرآنية كثيرة منتشرة لكنها لا تدخل أبدا في تصادم مع النظام القبلي بل تستجيب لحاجاته باجتهادات فقهية ترسخ الانسجام الاجتماعي، كما في ما يسمى “بيع الثنيا” وأشكال البيع التي تسمح لكل شخص باع أرضه أن يستعيدها بأن “يفديها” من غيره، وذلك وفق المبدأ الذي يعتبر أن الأرض هي أقدس ما يملك الإنسان وأنها لا تباع بشكل نهائي، والهدف من هذا هو الحفاظ على الاستقرار الذي أساسه الأرض باعتبارها ملكية جماعية، فيسمح هذا النوع من البيع المؤقت باستعادة الأرض التي باعها صاحبها نظرا لحاجته إلى المال في ظرف معين، وعندما يخرج من الضائقة المالية يكون باستطاعته استرداد أرضه.

ونظرا لأن علماء فاس مثلا كانوا يعيشون داخل مدينتهم ولا يعرفون النظام الاجتماعي العرفي للقبائل الأمازيغية بسوس فقد قالوا إن هذا النوع من البيع “حرام” وأنكروه، مما يدل على مقدار انفتاح الفقه الأمازيغي مقارنة بغيره.

واليوم في سياق تعديل القوانين وتجويدها نحن في أمس الحاجة لاستلهام هذه الروح التي كان أجدادنا الأمازيغ يجتهدون وفقها مراعاة لمصالح المجتمع، حيث تواجهنا تحديات كثيرة في السياق الراهن لا يمكن أن نكون في مستوى ما تنتظره منا إلا بترسانة قانونية متطورة وملائمة للواقع المتغير، وذلك بجعل الفكر يحيط بمستجدات الواقع من أجل إيجاد الحلول الناجعة لها.

الحلقة 1: أزرف ن تمغارت تمازيغت: الإرث

الحلقة 2: أزرف ن تمغارت تمازيغت: الولاية القانونية على الأبناء

الحلقة 3: أزرف ن تمغارت تمازيغت: الأموال المكتسبة

الحلقة 4: أزرف ن تمغارت تمازيغت: العنف الزوجي

الحلقة 5: أزرف ن تمغارت تمازيغت: الإجتهاد الفقهي في قضايا المرأة

الحلقة 6: أزرف ن تمغارت تمازيغت: تقسيم الشغل بين الرجل والمرأة

الحلقة 7: أزرف ن تمغارت تمازيغت: تعدد الزوجات

الحلقة 8: أزرف ن تمغارت تمازيغت: تزويج الطفلات

الحلقة 9: أزرف ن تمغارت تمازيغت: الوساطة الأسرية

الحلقة 10: أزرف ن تمغارت تمازيغت: الخطبة 

الحلقة 11: أزرف ن تمغارت تمازيغت: النفقة

الحلقة 12: أزرف ن تمغارت تمازيغت: الزواج

الحلقة 13: أزرف ن تمغارت تمازيغت: صورة المرأة

الحلقة 14: أزرف ن تمغارت تمازيغت: الصداق

الحلقة 15: أزرف ن تمغارت تمازيغت: توثيق العقود

الحلقة 16: أزرف ن تمغارت تمازيغت: المكانة الإعتبارية

الحلقة 17: أزرف ن تمغارت تمازيغت: الطلاق

الحلقة 18: أزرف ن تمغارت تمازيغت: المجتمع الأميسي

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x