2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
يسر جريدة “آشكاين” الإلكترونية أن تضع بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة تاريخية تتقفى أثر العائلات والأسر الصحراوية التي كان لها أثر بليغ في الصحراء المغربية، وذاع اسمها نظير ما بذلته في مجالات مختلفة من الحياة من خلال ركن “عائلات الصحراء”.
سنتطرق في حلقة اليوم إلى عائلة أهل تيكَا الأساويون، الذين اشتهروا بفن النسخ دون غيرهم بزاوية آسا، وعرف منهم العلماء ولفقهاء والقضاة، حيث انتسب لهذه العائلة قاضي آسا إبان الحماية الفرنسية.
فن نسخ المخطوطات
وقال سعيد عدي، الباحث في التاريخ المعاصر، إن “عائلة أيت تيكَا من بين الأسر العريقة التي ارتبط وجودها بتأسيس زاوية أسا، كانت لها شهرة واسعة في نشر العلم والمعرفة من خلال الأدوار التي اضطلع بها أفرادها كالمشارطة في المساجد، والإفتاء ونسخ المخوطات أو ما يصطلح عليه اليوم؛ “صناعة الكتب”، وهي من الصنائع والفنون التي ازدهرت في منطقة أسا على مدى قرون”.
وأورد عدي أن “الحدث الفيصل خلال تأسيس رباط زاوية أسا على يد الشيخ إعزى ويهدى، وكان للفقهاء اللذين نبغوا في مدارس أسا واستكملوا دراستهم بمدارس سوس النصيب الأوفر في التدوين ونسخ الكتب، القرآن الكريم وكتب الحديث، والفتاوى والنوازل الفقهية والتفاسير، التي ضمتها خزانات الأسر العلمية بأسا؛ من بينها الشرح الكبير للدردير، وكتاب تحفة الحكام لإبن عاصم، و كتاب المقصور والممدود لإبن مالك، وكتاب الأجوبة العباسية، ودلائل الخيرات وغيرها”.
أشار محدثنا أن “أسرا بعينها انبرت في هذا المجال، وفي صدارتها هذه الأسرة العلمية بامتياز، والتي نبغ منها العديد من العلماء حسب محمد المختار السوسي الذي أورد بأنها “فخذ من أيت أوسا ويقطنون في زاوية أسا الشهيرة.. وقد مر في هذه الفخذ علماء يُذكرون في العهد الأخير””.
قاضي آسا إبان الحماية
وأكد عدي أن “سيدي محمد بن مبارك الموش التيكَائي الأساوي هو أحد أعلام هذه الأسرى، وكان قاضي أسا إبان الحماية الفرنسية على المغرب، وشارط قبل ذلك في عدة مساجد بتغجيجت ومجاط وأسا، حيث أخذ العلوم من مآخذ شتى منها مدرسة أمسرا ومدرسة سيدي بوعبدلي ومدرسة إداومحمد ومدرسة بومروان ومدرسة إليغ ومدرسة تنكرت بسوس وزاول مهنة التدريس لسنوات في هذه الأخيرة، حيث كان من بين طلبته الأديب سيدي الحسن الكوسالي والأديب محمد بن الطيب الصائغ والعلامة محمد المختار السوسي الذي أفرد لذكره حيزا في كتابه المعسول”.
ومن جملة ما ذكر المختار السوسي عن القاضي التيكَائي في “العسول”، يضيف عدي أن ” له مشاركة حسنة وبصر بالفنون… وعهدي به في مدرسة (تنكرت) يعلمنا الحساب والفرائض ونحن ثلة من الشباب… وكان مشاركا في العربية نحوا ولغة وتصريفا وفقها وحديثا وأما الحساب والفرائض فقد تفوق فيهما تفوقا مسلما له، وكان يعتني باقتناء الكتب حتى تكونت له خزانة كبرى تذكر” وأضاف بأنه: “كان يكتب على كتب الأدب، ويحفظ كتاب “العقد الفريد” لابن عبد ربه وأمهات الكتب التي كان يتدارسها مثل كتاب “نفح الطيب” وغيرها.
نسخ أمهات الكتب
ومن هذه العائلة أيضا حسب عدي “محمد أتوايري التيكَائي الأساوي، الذي يعتبر من بين العلماء الذين اشتهروا بفن النسخ والتعليق، وقد نسخ بخط يده أمهات الكتب من أهمها كتاب: “الشرح الكبير للدردير” التي مكنته من التفوق على أستاذه الكثيري بالاستلهام من زخرفه، وإضافته لحاشية من أراء الدسوقي حيث أظهر في نسخته حذقا وفهما كبيرين، واستنبط فيها أخرون مدى تأثره بطريقة شيخه في النسخ كما أورد ذلك المختار السوسي”.
الفصل بين الناس
وتابع أن “من هذه العائلة أيضا، علي بن بلا التيكَائي الأساوي، الذي يعد من مشاهير العلماء، وله باع طويل في الإفتاء، والفصل بين الناس، وصفه صاحب المعسول بأنه كان يتولى الفصل بين الناس لاسيما عندما كان مشارطا في مساجد تغجيجت حيث أبدى وأعاد، وكان يخب في ميدان النوازل، وقد ينقض أحكاما أبرمها غيره في تلك الجهة، وما أكثر محررات يده في الرسوم والأحكام هناك، ثم إنه كان يقطن حينا بزاوية أسا وحينا في قرية” دودرار” من تغجيجت حتى مات حولي 1320 هجرية”.
قطب الإفتاء في زاوية آسا
وينضاف لهؤلاء “عبد الرحمان التيكَائي الأساوي، الذي يوصف بأنه قطب الإفتاء في زاوية أسا، تلقى علومه في مدارس أيت صواب بسوس، وشارط في مسجد سيدي عيسى بن صالح، له محررات كثيرة في الأحكام والنوازل”، يسترسل عدي.
ولفت الانتباه إلى أن “محمد بن عبد الرحمان التيكَائي الأساوي، بدوره كانت له إسهامات كثيرة في تحرير الكتب ونسخها، وله اجتهادات في تدوين الحواشي والطُّرَر على تلك النسخ من أمهات الكتب التي أغنت مدارك المجتمع في العلوم الشرعية والفقه والأدب واللغة”.
وخلص المتحدث إلى أن “من هذه العائلة أيضا محمد بن علي وادي، والقاضي محمد بن ابراهيم التيكائي الأساوي، وثلة من القدماء والمحدثين منهم جيلا بعد جيل، ولعل آخرهم الفقيه سيدي اليزيد بن محمد بن مبارك المكنى “أبو مدين”، الذي أخذ القرآن عن ابن بحمان أستاذ هذه الأسرة، وقد لازم أخاه المذكور “الطاهر” في “تنكرت”، فيؤاخذه بحفظ المهمات حسب تعبير صاحب المعسول، وكلهم من تلك الأسرة العريقة، كانوا بمثابة منارات الصحراء في التعليم والتدوين والإفتاء، علموا الناس دينهم، ونذروا حياتهم لإرشاد المجتمع، والسمو بقيمه وعلومه”.
الحلقات السابقة
–عائلات من الصحراء: أهل الشيخ بيروك.. عائلة بسطت نفوذها التجاري من وادنون إلى السودان
–عائلات من الصحراء: أهل العرابي..شبكة وكلاء تجاريين مسلمين ويهود بين الصويرة وتمبكتو
–عائلات من الصحراء: أهل بوكَرين.. محافظ صاغ “عقد الخاوة” وأنقذ مدونة زاوية آسا من الضياع
–عائلات من الصحراء: أهل لعريبي.. “خرقت” قاعدة انتماء وامتلكت منازل للكراء بتمبكتو