2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
يسر جريدة “آشكاين” الإلكترونية أن تضع بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة تاريخية تتقفى أثر العائلات والأسر الصحراوية التي كان لها أثر بليغ في الصحراء المغربية، وذاع اسمها نظير ما بذلته في مجالات مختلفة من الحياة من خلال ركن “عائلات الصحراء”.
سنتطرق في حلقة اليوم إلى عائلة أهل “السي الفاطمي”، الذي كان “آخر محافظي زاوية آسا” نظرا لكونه آخر من تسلم مفاتيح الزاوية بعد فترة الطاهر بوكرين.
“آخر محافظي زاوية آسا”
يرى الباحث في التراث اللامادي الحساني، بوزيد لغلى، الذي يرافقنا في هذه السلسلة، أن “أهمية استعادة شذرات من سيرة “آخر محافظي زاوية آسا”، تنبثق من حتمية التغير التي أدت إلى انتقال “مفاتيح أو مقاليد الزاوية” من حفدة الشيخ إعزا ويهدى إلى جمعية مدنية، في ظروف رغبت فيها السلطات المحلية في إعادة تأهيل الزاوية في أفق تحولها إلى مؤسسة من مؤسسات التعليم العتيق”.
وأشار لغلى إلى أن “هذا التغير المذكور، أدى إلى تحول جذري في وظائف الزاوية، حيث كان “السي الفاطمي”، آخر من تسلم مفاتيح الزاوية بعد فترة الطاهر بوكرين الذي تحدثنا عنه في حلقة سابقة”.
ولفت الانتباه إلى أن “قبيلة أيتوسى طيلة تاريخها الطويل حافظت لآل أعزا ويهدى على مركزهم اللائق بهم، بوصفهم حملة ميراث الشيخ المؤسس للزاوية، ولم تؤدِّ أحوال المدّ والجزر التي شهدتها العلاقة بين الطرفين المتساكنين في آسا، منذ القرن السابع عشر على الأقل، إلى سلب آل اعزا ويهدى حق الإشراف على الزاوية، فقد كانت مفاتيح الزاوية وصندوق تبرعاتها بيد محافظيها الذين لا نعرف منهم سوى المتأخرين، وهما: الطاهر والفاطمي”.
اسم فريد بآسا
ونبه لغلى إلى أن “السي الفاطمي الذي يحمل اسماً نادراً وفريداً بآسا، كان يكاد يكون الوحيد الذي يحمل اسما يحيل على فاطمة الزهراء، بحكم أن كثيرا من مشجرات النسب المتداولة لدى آل إعزا ويهدى ترجع نسبهم إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، رغم رجحان نسبهم البكري، نسبة إلى أبي بكر الصديق، كما ذكر صاحب المعسول.”
حياته
وتابع أن “السي الفاطمي كان رجلا دقيق العارضين، ليس بالنحيف ولا الممتلئ، تظهر عليه سكينة ظاهرة، مارس التجارة في سوق آسا القديم، فضلا عن أنه تولى مهمة رفع الأذان بمسجد الزاوية سنوات طويلة قبل وفاته أواخر الثمانينات”.
وقال لغلى إنه “ونظراً لكون السي الفاطمي مثل شخصية حاملة لميراث زاوية آسا، بحكم أنه تولى أمور سدانة البيت والمحافظة عليه، فقد كان شخصية من الشخصيات التي ورد ذكرها في رواية الطلح لا يخطئ القبلة في سياق استعادته كسارد أحداثا احتفظت بها ذاكرته منذ أيام الصبا”.
وثيقة تاريخية
واقتبس بوزيد لغلى من روايته “الطلح لا يخطئ القبلة”، قوله “قضينا زهاء ساعة ننتظر وصول الناقة إلى موضع النحر، قبالة باب الزاوية، في تلك الأثناء، اقترب منا رجل دقيق العارضين، حاد الملامح، لما دنا منا عرفته، إنه سي الفاطمي، مقدم الزاوية الذي يمتلك مفاتيح البيت، قد آلت إليه بعد وفاة الطاهر بوﯕرين، مقدم الزاوية الذي أطلع الضابط الفرنسي فانسان مونتاي على مدونة زاوية آسا، وثيقة تتضمن أخباراً عن هذه المؤسسة وحياة مؤسسها وأولاده”.
ويحكي لغلى خلال هذا المقتبس ما دار بين جده وبين السي الفاطمي قائلا: “سلم سي الفاطمي على جدي، صديقه الأثير، بش في وجهه حتى بدت أسنانه الدقيقة، شيخ في عقده السبعين تقريبا، يرتدي جلبابا أبيض، أخذ بيد جدي ومشيا نحو المسجد، قال له: تعال استرح حتى يأتي الوفد، فرد عليه: أطال الله عمرك؛ الشمس مثل شهاب من نار تصلي الوجوه؛ هيا نتنح إلى الظل؛ الناس مجتمعون محتشدون في انتظار وصول المحافظ وموكبه من مدينة ﯕليميم”.
وفي تتمة الحديث الذي يسرده علينا لغلى قال السي الفاطمي لجد لغلى “الشيخ محمد فاضل، كنت من شهود الاتفاق الذي التئمت عليه كلمة قبيلة أيتوسى عام خمسين تسعمائة وألف ؟”، فرد عليه “لا، مع الأسف، كنت حينذاك في محاميد الغزلان، لكن بلغني ما اتفقوا عليه، رغم أني لم أطلع عليه نصا مكتوبا”.
وفي هذه الدردشة ذات البعد التاريخي، يتم لغلى حكيه بأن السي الفاطمي قال لجده بعد ما سبق “اخترت أن أثير معك هذه المسألة، لأن بعض المحدثين أصبحوا ينكرون ما اتفِق عليه من حق القائم بالزاوية وشراء وتنظيف فراشها؛ يزعمون أن قبيلة أيتوسى توافقت على أن يباع نصف لحم الناقة، ويرجع ثمنه لصندوق الزاوية، والربع يهدى للطلبة وأهل القرآن، والربع يطهى ويقدم صدقة للمساكين والأضياف”.
ما طرحه “السي الفاطمي” موضوع حلقة اليوم، رد عليه جد الراوي المتحدث لـ”آشكاين” بالقول “ليس فيها هذا ما يعاب، لكنه مخالف لما اجمعت عليه القبيلة ذاك العام”، قبل أن يجيبه السي الفاطمي “صدقت يا شيخ، سأريك صحيفة الاتفاق المكتوب، لقد اختزنتها من مدة في صندوق خاص”.
وتبع لغلى اللذي كان حاضرا لهذه الحوار أن “السي الفاطمي اختفى لحيظات، ثم عاد يحمل قطعة قصب استخرج منها ورقة بالية كتبت بمداد معد من مادة الصمغ، اعتاد طلبة المسيد استخدامه مع الصلصال من أجل كتابة ما تيسر من آيات على ألواحهم الخشبية التي يسمع من بعيد صوت تمرير الكراج عليها، ثم استخرج الورقة بهدوء وعناية، وشرع يقرأ على مسامع جد الراوي بصوت وعيته”.
اتفاق قبلي حول توزيع لحم الناقة
ومما جاء في هذه الوثيقة، حسب بوزيد لغلى “الحمد لله وحده، ولا يدوم إلا ملكه، في عيد مولد عام 1369 هجرية، اتفقت أفخاذ إداومليل الأيتوسيون البدويون، وقائدهم محمد الخرشي، وشيوخهم كالشيخ الحسن بن القائد الوعباني، وعامة القبيلة وغيرهم من شيوخهم، كما اتفقت أفخاذ إداونكَيت الأيتوسيون البدويون وقائدهم بوزيد بن الرباني وشيوخهم كافة كالشيخ مولود ولد مولود، وغيره وعامة القبيلة الحاضرين، ووافقهم الشيخ الحسين بن حمدي، على أن الناقة التي ينحرونها يوم المولد من فم زاوية آسا قربانا إلى الله تعالى وهبة أجرها لجميع صالحي زاوية أسا ومن دفن عندهم من المسلمين، وهبوا ثلاثة أرباع لحمها، وجميع ملختها لمن قام بمصالح الزاوية من بناء وفراش وغيرهما، ووهبوا ربع لحمها لطلبة آسا خاصة على المناصفة بين طلبة القصر الأعلى والأسفل، هبة إلهية، وأن غير من ذكر لم يدع في هذه الصحيفة …، شهد لهم عبيد ربه محمد بن مبارك الأساوي وعبيد ربه مولود بن مبارك”، ثم انقطعت قراءة السي الفاطمي فجأة.
نحر ودعاء وتأمين
وأكد لغلى أنه “لم يكد سي الفاطمي يكمل قراءة الوثيقة حتى سمعوا جلبة عند باب الجامع، هرول سي الفاطمي تاركا جده في مكانه، أخذ بيد الأخير وخرجا بهدوء إلى حيث تحلق الناس حول ناقة بيضاء، ولم يكد يحدق في هيئتها، وهي واضعة جراءها على الأرض مقيدة القوائم، حتى رأى الدم ينساب على الأرض، كأنه ماء شلال يتفجر فجأة، ثم هرولت بعض النساء والأطفال نحو الناقة الصريعة ينتفون من وبرها ما استطاعوا، ثم قرأ أحدهم الفاتحة، وثنى بدعاء طويل،ثم ارتفعت أصوات الجموع الغفيرة، وهم يرددون: آمين، آمين يا رب العالمين”.
الحلقات السابقة
–عائلات من الصحراء: أهل الشيخ بيروك.. عائلة بسطت نفوذها التجاري من وادنون إلى السودان
–عائلات من الصحراء: أهل العرابي..شبكة وكلاء تجاريين مسلمين ويهود بين الصويرة وتمبكتو
–عائلات من الصحراء: أهل بوكَرين.. محافظ صاغ “عقد الخاوة” وأنقذ مدونة زاوية آسا من الضياع
–عائلات من الصحراء: أهل لعريبي.. “خرقت” قاعدة انتماء وامتلكت منازل للكراء بتمبكتو