2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
يسر جريدة “آشكاين” الإلكترونية أن تضع بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة تاريخية تتقفى أثر العائلات والأسر الصحراوية التي كان لها أثر بليغ في الصحراء المغربية، وذاع اسمها نظير ما بذلته في مجالات مختلفة من الحياة من خلال ركن “عائلات الصحراء”.
سنتطرق في حلقة اليوم إلى عائلة القَاضي مُحمّد بن عبد العزيز بن حامني، التي تعتبر من الأسر العلمية المشهورة بالصحراء المغربية والجنوب، وبرز فيهم أحد القضاة الذين كان لهم دور مهم في التضحية والنضال من أجل تحرير الوطن من ربقة الاستعمار الغاشم، القاضي بن حامني”.
النسب والمنشأ
يُعَرّف الباحث في التاريخ والتراث اللامادي الحساني، محمد عالي أمسكين، بن حامني، على أنه “القاضي الفقيه محمد بنُ عبد العزيز بنِ إبراهيم بنِ أحمد بن حَامَّنِي بن محمد الأمين الغلاوي الشنقيطي الأصل، وينتهي نسبه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه”.
وأردف أمسيكين، في حديثه لـ”آشكاين”، أن محمد بن عبد العزيز “ملقبُ بالشيخ حَامَّني كما اشتهر بالفقيه، والقاضي، وكاتب الهيبة، كما وصفه المختار السوسي، بكاتب آل كردوس”.
وأشار المتحدث أن “الفقيه محمد بن عبد العزيز وولد سنة 1284هـجرية الموافق 1876 ميلادية، بشنقيط، وهو سليل أسرة علمية عريقة بشنقيط، ذات علم وعطاء، منهم القاضي والعالم الشيخ بن إبراهيم بن حامنِّ”.
ثناء العلماء عليه
كان لمحمد بن عبد العزيز، يسترسل الباحث أمسيكين “ذكر حسن وقول جميل بين أقرانه وشيوخه، حيث ذكره كل من لقيه بالخصال الحميدة، والأخلاق الكريمة، نقتصر على ذكر بعضها، إذ قال فيه المختار السوسي: العلامةُ الوَرع؛ كان له في التَّقوى والورَع أوصافٌ يتناقلها النَّاس بالإعجاب”.
وتابع أن “الشيخ النّعمة وصفه في الأبحر المعينية بقوله: العالم الشّهير البدر المُنِير الفقيه الكبير، القاضي الخيّر، الُدرس النِّحرير، ذُو الْمزايا الفاخرة، والمَناقب المتظاهرة، الشيخ سيدي محمد بن عبد العزيز بن حامّني الغلاوي، كان من أكابر مَهرة العلماء، في كل فَن ورؤساء جهابذة الفقهاء المتتبعين للسنن”؛ كما ووصفه شيخه الشَّيخ ماء العينين عَرَضاً في أحد دروسه أثناء شرحه لكلمة التَّصوف فقال: الولي عَالم عَمِل بعلمه، كالشيخ بن حَامَّني”.
شيوخه
وأكد أمسيكين، الذي يرافقنا في هذه السلسلة، أن “الفقيهَ محمد بنَ عبد العزيز الصحراويَّ، تتلمذ على علماء عصره في مختلف الفنون الشرعية واللغوية، أَسهموا في صقل مواهبه وتعدد معارفه وعلومه”.
ومن أول شيوخه، حسب ما يرويه لنا أمسيكين “عمه سيدي أحمد، وهو الشيخ بن ابراهيم بن أحمد بن حامني الغلاوي الشنقيطي المتوفى سنة 1318هـجرية، إذ أخذ عنه منذ الصغر واكتفى به في بلده شنقيط”.
وثاني هؤلاء وأبرزهم، يقول أمسيكين “هو الشيخ العلامة سيدي المصطفى الملقب بماء العينين المتوفى سنة 1328 هـجرية الموافق 1910 ميلادية، إذ لازمه مدةً طويلةً وأخذ عنه، واستجازه الشيخ بمدينة السمارة”.
ويقول الفقيهَ محمد بنَ عبد العزيز الصحراويَّ عندما حطّ الرحالَ عند الشيخ ماء العينين، حسب ما نقله لنا الباحث أمسيكين “فلّما أتيتُ شيخنا وجدتني أنا هو أجهلَ مَنْ عِنْدَه من النّاس، لا ينبغي لعاقل أنْ يفوته الدُّخول في زُمرته، فدخلتها والحمد الله على ما أعطانا بذلك”؛ وقد شدّ الرحال إليه مرتين، وأخذ عنه”.
وقال صَاحب كتاب علماء وأمراء، وفق ما نقله الباحث أمسيكين إنه “لما تأكد – محمد بنُ عبد العزيز – من رسوخ قدم الشيخ ماء العينين في العلم والتّربية، وتيقن من مكانته الربانية، جعل وجهته إليه، وحطّ رحلَه لديه سنة 1311هجرية، وبايعه ومكَث معه قليلا، فَصدره إلى أهله، فلما وصل قرية شنقيطَ ظهر فيها ظهوراً عجيبا، وانقادَ له النّاس، وبعد مدة قصيرة شعر بحال لم يصبر على البقاء بعيداً عن شيخه فعاد أدراجه، ولاَزَمه ثماني عشرة سنة”، إذ أشار المختار السوسي بأنه شيخه الوحيد بقوله: فكان كلَّ أَخْذه عن الشيخ ماء العينين”.
قبلة لطلاب العلم
ولفت الانتباه إلى أن “المنزلةَ التي حظي بها محمد بنُ عبد العزيز عند شيخه ماء العينين، جعلته قِبلة لطلابِ العلم، فحرِصوا على السماع منه، ومُلازمته و الأخذ عنه، سواء بمدينة السمارة أو في تنقلاته، ورحلاته مع الشيخ ماء العينين”.
أول قاض بالسمارة وكاتب آل كردوس
وأضاف أمسيكين أن “القاضي محمد بن عبد العزيز، يعتبر علما من أعلام الصحراء المرموقين، وعزَز مكانتَه بالتضحية والعمل، والجد والكفاءة العلمية، هذا ما أهله ليزداد مكانة عند شيخه ماء العينين، فنصبه كاتباً خاصاً به، ثم قاضيَه لمدينته العامرة السمارة آنذاك، وقلَّما يحظى المرء بهاتين الميزتين معا، ويدل هذا على المرتبة اللائقة عند شيخه، فاستخلصه من حَاشِيته وبَنيه، للخصال التي يتمتع بها، وهي التقوي وحسن السريرة، والفطنةُ والذَّكاءُ والعلم، فكان أهلاً للمناصب الرسمية التي تقلّدها إلى أنْ تُوفِي رحمه الله”.
وأردف أن القاضي محمد بن عبد العزيز “تولى مهمة الكاتب الرَسمي للشيخ ماء العينين، فكان يسمى كاتب آل كردوس، وكاتب الهيبة، وكاتب مربيه ربه، لأنه تقلَّد هاته المهمة وورثها لما اتصف به من الصفات الحميدة التي سردنا آنفا”.
“كما تولى أيضا مهمة القضاء”، يزيد أمسيكين شارحا “فعينهَ شيخهُ ماء العينين أولَ قاض بمدينة السمارة، فتولى هاته المُهمة بكل نزاهة وعدالة و اقتدارٍ، إلى أنْ توفي شيخه، ثُم نصبه على رأس القضاء أحمد الهيبة، وبعد وفاة الشيخ أحمد الهيبة، أَقره مربيه في نفس المنصب طيلة مُكْثِه في أل كردوس”.
وتظهر مكانته، حسب ما يرويه لنا الباحث في التاريخ، محمد عالي أمسيكين أن “جعله شيخه، أستاذاً بزاويته ومدرسته بالسمارة، في مواد النحو والفقه والتصوف”.
وأبرز أنه “بعد هذه الرحلة المباركة والطويلة للقاضي محمد بن عبد العزيز مع شيخه وآله، انفرد واستقر بأيت باعمران، حيث زاول المشارطة بقيبلة صبويا، وعين قاضياً في المجلس الإسلامي الأعلى للقضاء بجانب ثلة من القضاة، منهم القاضي المشهور أبلوش بسيدي إفني، وأَفنى فيه بقية عمره رحمه الله”.
سجال شعري
ومن مظاهر المكانة العلمية للشيخ محمد بن عبد العزيز ، حسب ما يحكيه لنا أمسيكين هي “مُساجلاتُه العلميةُ والأدبيةُ، مع العلماء والأدباء في مختلف تحركاته” .
وأشار إلى أن “محمد بن عبد العزيز قد اجتمع مع الشيخ العلامة أبي شعيب الدكالي، في مجلس أحمد الهيبة، ووقع سجالٌ بين أبي شعيب ومحمد بنِ عبد العزيز، حول الرِّضا والقَبول بالكفار، وكذلك ما دار بينه وبين الفقهاء السوسيين، في مسألة قضائية إرثية تتعلق بحكم الغائب، فأفتى فيها محمد بن عبد العزيز وغيره ، ونقض بعض الفقهاء هذه الفتوى”.
أمّا المساجلات الأدبية، حسب أمسيكين “هي التي كانت تتمّ بينه وبين شعراء الأسرة المعينية، وتلتقي في التعبير عما كان يجمعهم من روابط أخوية متينة، ومشاعر وطنية صادقة، وتشمل مجموعَ الأشعارِ يوجهها إلى غيره فيجيبه على نفس البحر والروي، أو يتداولها في مجالسِه و مُسامراتِه”.
وذكر أمسيكين نقلا عن كتبه المختار السوسي أن “محمدَ بنَ عبد العزيز دخل إليغ عام 1346 هـجرية فلقي ترحيبا بقصائد عديدة على عادة علمائها منها :
فسيح العلا وإمام العلــــــم والأدب ٭٭ ومن له بُمحياه سنا الشـــــــــــــــــــــهُب
هذا ومن رام أن يُحصى مآثركم ٭٭ فإنما كان في كــــــد وفي تـــــــــــعب
فأنتم الانفُ والأذنابُ غيركــــــم ٭٭ هل يدرك الأنفَ يوما عقدةُ الذنَبِ
مني عليك الســـــــــلام طيّب أرِجٌ ٭٭ يامن له هالةٌ فيحــــــــــــــــاءُ من أدَب
ودار سجال بينه وبين الشيخ مربيه ربه قائلا :
ألا ياسراة الحي دُمتــــــم لنا فــــــلا ٭٭ تكونوا ملا ناسين سورةَ ياسين
سلوا كعبة الأسرار عن سر لبها ٭٭ وهَنّوه إن كنتم لياسين نـاسين
ففاكهة التسال فيها فُكــــــاهـــــــة ٭٭ لقوم على التسائل راضين راسينا
وقد أصبحت للسائلين مَجـــــــــــرّة ٭٭ مُعوّذة منهم بياسين طــــاسينــــا
فأجابه :
ألا أيها الفقيه وشيخي من اقتـــــــــــفى ** بآثاره إِثرَ الصــحابِ و ياسينا
عن الحـــال ان تسأل فلا بأس إنه ** تحقق ما يرجو من الله ياسينا
إلى أن قال :
هل الأهل أهل والكمــــــــــال فخالها ** أم الأهل أهل والسكون لها أهل
فأجابه :
هل الأهل أهل للكمال سألتنا ** سؤالا وفي تِسائلِك الرحب والسهل
نعم فهي أهل للكمـــال وإنها ** هلال العذارى والكمــــــــال لها أهل”
وشدد الباحث أمسيكين على أنه من خلال ما سبق “يظهر من هاته المساجلات الأدبية وغيرها من المواضيع، مدى امتلاك القاضي محمد بن عبد العزيز لناصية الشعر، وقدرته على البديهة والارتجال، وكانت قريحته الشعرية فكانت فياضة في شتى الأغراض، وكانت لشخصية ماء العينين وأبنائه النصيب الأوفر، كما أن له ديوان شعر، جمعه حفيده يبين اعتناءه بالشعر وإبداعه فيه” .
ويختزل هذا بيته مادحا شيخه :
وإن تك للدنيا أو الغيد هجـــــرة ** فإني إلى شيخي وربــــــيَ هجـــــرتي
رُبوع رَوت منها العُيون محاسنا ** كما قد رَوت من ما العيون المجالس
ومَدحك بالأشعار والنّثر فَرضــه ** أعيني عيني بكــــــل المـــــــواقف( )
وفــاته
وخلص أمسيكين أنه “بعد حياة حافلة بالنضال والكفاح بالسيف والقلم واللسان، حطّ القاضي محمد بن عبد العزيز عصا الترحال بقبائل أيت باعمران فقهيا وملازما لمسجد أوتلوك، ثُم قاضيا بالمجلس الإسلامي الأعلى للقضاء بسيدي إفني وتوفي بها، يوم الثلاثاء 10 ذي القَعْدة 1375 هـجرية الموافق 20 يونيو سنة 1956 ميلادية عن عمر يناهز 91 سنة”.
الحلقات السابقة
–عائلات من الصحراء: أهل الشيخ بيروك.. عائلة بسطت نفوذها التجاري من وادنون إلى السودان
–عائلات من الصحراء: أهل العرابي..شبكة وكلاء تجاريين مسلمين ويهود بين الصويرة وتمبكتو
–عائلات من الصحراء: أهل بوكَرين.. محافظ صاغ “عقد الخاوة” وأنقذ مدونة زاوية آسا من الضياع
–عائلات من الصحراء: أهل لعريبي.. “خرقت” قاعدة انتماء وامتلكت منازل للكراء بتمبكتو