2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
يسر جريدة “آشكاين” الإلكترونية أن تضع بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة تاريخية تتقفى أثر العائلات والأسر الصحراوية التي كان لها أثر بليغ في الصحراء المغربية، وذاع اسمها نظير ما بذلته في مجالات مختلفة من الحياة من خلال ركن “عائلات الصحراء”.
سنتطرق في حلقة اليوم إلى عائلة أهل محمد بن البخاري الملقب بـ”المامي”، الذي اشتهر بالفقه والعلم والشعر، كما عبر في فتاويه عن معارضة السيبة وما لها من تبعات.
النشأة
وقال الباحث في التاريخ، الحسين حديدي، أن “الشيخ محمد المامي بن البخاري يعتبر من أعلام الصحراء ورجالاتها الذين بلغت شهرتهم الآفاق، فقد ولد هذا العالم عام 1206هـجرية 1791 ميلادية، جنوب “تيرس” عند موضع يقال له “آشقيق لعظام” بين “أغوينيت” و”بئر المام” التابعة اليوم لنفوذ عمالة اقليم أوسرد باقصى جنوب المغرب”.
لقب “المامي”
وأوضح حديدي، الذي يرافقنا خلال هذه السلسلة، أن يلقب هذا الشيخ بلفظ “المامي” تيمنا بالزعيم الإفريقي المام عبد القادر الفوتي، وهو ما أشار إليه محمد بن البخاري في كتاب “وسيلة السعادة” بشأن هذا الإسم”.
قبيلته
وأشار حديدي إلى أن “الشيخ محمد المامي ينحدر من قبيلة تسمى “أهل بارك الله ” من قبائل الزوايا المغربية المعروفة بالعلم والصلاح التي لها فروع في موريتانيا، وقد قال عنهم صاحب المعسول ما نصه: ” وهذه قبيلة وراء شنقيط تعتني رجالا ونساء وعبيدا بالعلم”.
وأضاف أنه “لا غرو أن يحظى الشيخ محمد المامي بهذه المكانة العلمية، إذا ما بحثنا في وسطه العائلي الذي يتميز بوجود عدد من العلماء والصلحاء من جهة، واهتمام قبيلته بالشؤون العلمية والثقافية بالصحراء، من خلال تعدد مكتباتهم التي زودوها بالكتب النادرة لاتصالهم بالسلاطين المغاربة من جهة ثانية”.
علمه وتعلمه
ويروى، حسب ما نقله حديدي أن المامي “أخذ العلم عن أفراد أسرته، لاسيما أخوه عبد العزيز ووالده البخاري، وأيضا على يد أخواله وأخوال أمه، خاصة خاله العالم سيدي عبد الله بن الفاضل، فكان اجتهاده العلمي مبكرا جعل الأستاذ محمد بن أحمد مسكه يشير إلى هذه المزية العلمية للشيخ محمد المامي بقوله: ” ومن أعظم خوارق الشيخ محمد المام، ما رزقه الله تعالى من سعة العلم وتشعب فنون المعرفة مع أنه لم يعرف له شيخ ولم ينقل عنه الجلوس في مدرسة علمية”.
وأكد أن المامي “اعترف له بالعلم أهل هذه البلاد مع كثرة العلماء الفحول في ذلك العصر”، فانتقل هذا السر العلمي والثقافي بفضل من الله من الشيخ محمد المامي إلى ذريته ذكورا وإناثا، ممن كانوا علماء وشعراء”.
ويواصل حديدي حكيه عن المامي، نقلا عن الرواية الشفوية أنه “سافر خلال المراحل الأولى من طفولته إلى مناطق غرب إفريقيا، ولم يعد الى موطنه الأم إلا بعد العشرين من عمره وقد اكتمل نضجه وأصبح ينعت من كبار الأولياء والصالحين ومن أهل الكرامات، كما أنه نبغ في جميع فنون العلم كالشعر والفقه، وعلوم القرآن، والمنطق والتصوف، والتوحيد والبيان والنحو، والسيرة، والتراجم والتاريخ…، إلى جانب اهتمامه بالتصوف، حيث ذكر أنه كان على الطريقة القادرية، ويعد من الشعراء المجيدين للهجة الحسانية، حيث ألف في هذا الفن ديوانا ضخما ضمنه عدة قصائد باللهجة الحسانية، وألف ديوانا آخر يتكون من قصائد باللغة العربية الفصحى”.
فقه وفتوى وشعر
واشتهر المامي، يسترسل حديدي، في “مدة يسيرة من عمره بتصدره للفتوى، وتأليفه لعدة كتب في الفقه، واللغة والشعر والحساب، كما أفتى في نوازل لم يسبق لأحد أن تناولها قبله من نوازل البادية الصحراوية، ودعا لتنصيب إمام للبلاد وحث الناس على الجهاد، وطالبهم بالإتحاد والاهتمام بالعمران وحفر الآبار، وقال بكروية الأرض، وفي ذلك نظم بيتين بالحسانية قال فيهما ما نظمه:
أَنْتَ لاَحَجَّيْتْ امْسَوْحَلْ وافْرَغْ لَبْحَرْ مَنْ كَدَّامَكْ
اثْلَتْ عِمَانْ انتَ ترْحَلْ إِيرَدُّوكْ الْـــــــــــــبَلْ اخْيَامَكْ
والمقصود من البيتين أعلاه، حسب حديدي أن “المرء إذا سافر عن طريق البحر غربا في اتجاه المحيط الأطلسي، بشكل مستقيم ففي مدة ثلاث سنوات متتالية من السير سيصل إلى محل خيامه التي انطلق منها، وهو دليل مادي على كروية الأرض”.
وأشار إلى أن “الشيخ محمد المامي دعا لفتح باب الاجتهاد، وخاض عدة مساجلات فكرية وفقهية مشهورة مع كبار العلماء من معاصريه من أمثال محمد سالم المجلسي والعلامة محمد فال بن متال، ومحنض بابه بن اعبيد الديماني والمختار بن محمد المجلسي، واشتهر بالسعي في الصلح بين القبائل وبالكرم، فكان موضع احترام كبير من مجتمع مجال البيضان”.
وأكد أن “عصره تميز بالسيبة والفوضى، مما عطل الأحكام وسمح بتفشي الظلم وكثرة النهب، وقد حظيت قبيلته في تلك الظروف بالاحترام لكونها مركز العلم والدين وحلها للخلافات بين القبائل المتناحرة، وهذا ما عجَّل بخروج كتابه “البادية”، وقضى الشيخ محمد المامي بقية حياته في التدريس وتعليم الناشئة للعلم، ومعالجة قضايا واشكالات مجتمعه”.
وفاته
وتابع أن “محمد المامي وافته المنية حوالي سنة 1282هـجرية 1865 ميلادية، عند مكان يدعى “أيك”، قرب تشلة، وهو ما تحدث عنه محمد عبد الله ولد البخاري بقوله: ” وقبر المام بجنب كدية، هي الشرقية من كدى أدرار، يقال لها ” أيق”، وهو بجنبها الشرقي، وزرته بعد وفاته”، وخلف من بعده خليفته وابنه عبد العزيز وكان وليا صالحا وتقيا، ومن بعده محمد بن عبد العزيز الذي ازدهرت الزاوية في عهده، ولايزال ضريح الشيخ محمد المامي قائما بمنطقة تيرس التي شكلت مضارب خيام قبيلته”.
مؤلفاته
وبجانب مهنة التدريس والتلقين، يضيف حديدي فقد اهتم الشيخ محمد المامي بظاهرة التأليف التي شملت جميع العلوم في عصره، إذ أحصى عبد العزيز بن الطالب موسى مؤلفات الشيخ محمد المامي بحوالي 100 مؤلف، فيما ذكر الخليل النحوي في معرض ترجمته أن مؤلفاته قد تكون بلغت 400 مؤلف، منها: كتابه الموسوم ب “البادية”.
معارضته للسيبة
وخلص الباحث حديدي أن “الشيخ محمد المامي كان عليه، كغيره من علماء عصره الذي سيطر فيه بنو حسان، وعمت الفوضى والظلم أرجاء مجال البيضان، أن يصدر فتاوى تتعلق ببعض الظواهر الاجتماعية كالسلب والنهب، حيث استدل في فتاويه بشأن السلب والنهب بآراء ابن الأعمش والشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي المختار الكنتي، معتبرا أن المال المنهوب ليس لناهبه الحق في امتلاكه وإنما يرد لصاحبه، وبيَّن مهمة العلماء وأصحاب الزوايا والوجهاء في هذا الشأن في ضرورة التدخل لرد الأموال لأصحابها، مما يعود عليهم بفوائد أكثر معنوية تزيد من مكانة هؤلاء في المجتمع وتفرض احترامهم، وكان من الداعين لنصب الإمام في بلاد السيبة، واشتهر بدعمه للحركات الإصلاحية بغرب إفريقيا وعلى رأسها حركة الحاج عمر الفوتي”.
الحلقات السابقة
–عائلات من الصحراء: أهل الشيخ بيروك.. عائلة بسطت نفوذها التجاري من وادنون إلى السودان
–عائلات من الصحراء: أهل العرابي..شبكة وكلاء تجاريين مسلمين ويهود بين الصويرة وتمبكتو
–عائلات من الصحراء: أهل بوكَرين.. محافظ صاغ “عقد الخاوة” وأنقذ مدونة زاوية آسا من الضياع
–عائلات من الصحراء: أهل لعريبي.. “خرقت” قاعدة انتماء وامتلكت منازل للكراء بتمبكتو