لماذا وإلى أين ؟

عائلات الصحراء: أهل دحمان.. أول نائب برلماني عن دائرة كلميم

يسر جريدة “آشكاين” الإلكترونية  أن تضع بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة تاريخية تتقفى أثر العائلات والأسر الصحراوية التي كان لها أثر بليغ في الصحراء المغربية، وذاع اسمها نظير ما بذلته في مجالات مختلفة من الحياة من خلال ركن  “عائلات الصحراء”.

سنتطرق في حلقة اليوم إلى عائلة أهل دحمان بن عابدين بن بيروك وإسهاماتها في النضال الوطني، حيث كان لدحمان إسهامه في الكثير من المحطات، كان أبرزها معارضته التواطؤ مع فرنسا لتنحية الملك الراحل محمد الخامس، علاوة على كونه بأول مقدر برلماني عن دائرة كلميم في ألو انتخابات بعد الاستقلال.

وقال الباحث في التاريخ المعاصر، سعيد عدي، إن “ظرفية الاحتلال والحماية التي خضع لها المغرب، ساهمت في ترسيخ وعي سياسي لدى القواد الذين رفضوا الرضوخ للضغوط الأجنبية، أمثال القائد دحمان بن عابدين، وكان الشعور بأهمية الذود عن حوزة الوطن قد ارتوى من المرتكزات الدينية لعموم السكان وكذا من تأثير الوعي السياسي الناشئ عند النخبة”.

استفادة المقاومة من شبكة آل بيروك

وأوضح عدي، في حديثه لـ”آشكاين”، كيف “استفادت المقاومة وجيش التحرير بالجنوب المغربي من شبكة العلاقات التجارية التي أقامتها أسرة بيروك، إذ تحولت إلى أرضية للتنسيق ونقل المنشورات والأسلحة وأخبار المجاهدين بين القبائل، اضطلع وجهاء الأسرة بأدوار طلائعية في قيادة المقاومة بالجنوب المغربي ابتداء من سنة 1951 ميلادية، مستفيدين من التفاف قبائل تكنة حولهم، خصوصا أيت لحسن وإزركيين وأيت موسى وعلي وأيت أوسى خلال السنوات الحرجة وبعد تحقيق الاستقلال”.

وأبرز الباحث أن “الولاءات والتحالفات القبلية لاتحادية تكنة شكلت عنصرا محفزا على قيام مثل هذه التنظيمات، والالتفاف حول المشاريع المجتمعية لبعض الوجهاء والأعيان والقواد الذين كان دحمان بن بيروك أكثرهم شأنا ونفوذا بكلميم آنذاك”.

تعيين دحمان قائدا

وتابع أنه “عندما طُرح مشكل شغور الإدارة في مناطق الجنوب المغربي سنة 1956 ميلادية تم تعيين مجموعة من القواد الوطنيين كان دحمان بن عابدين من بينهم، جاء في ظهير تعيينه، المؤرخ في جمادى الثانية سنة 1376هجرية الموافق لـ9 فبراير 1956 ميلادية: “رعايانا الأوفياء أهل كولمين وأسا وتارجيست وواد نون وفقكم الله وسلام عليكم ورحمة الله؛ وبعد، فقد اقتضى نضرنا السديد ورأينا الموفق الرشيد أن نولي قائدا عليكم خديمنا الأرضى دحمان ولد عابدين، مسندين إليه النظر في أموركم والعناية بمصالحكم والاهتمام بشؤونكم ومراعاة العدل والإنصاف بين خاصتكم وعامتكم وسلوك البر والنزاهة في ما يعرض لكم، وقد اخترناه لهذا المنصب لما نتوسم فيه من قوة على القيام بأعباء مهمته فنأمره أن يقوم بالعمل المنوط به وفق ما يقتضيه الواجب وتفرضه صيانة الحقوق ونأمركم أن تمتثلوا أوامره وتلتفوا حوله وتشدوا عضده وأزره”.

رفض التواطؤ مع فرنسا لتنحية الملك محمد الخماس

وأشار عدي إلى أن “اسم القائد دحمان برز كشخص مقدام ذو كاريزما وروح قوية وطموحة، خلال دعمه للمقاومة ورفضه التواطؤ مع فرنسا الساعية إلى تنحية محمد الخامس وتنصيب إبن عرفة، حيث جاء في نص المعسول “ثم لما ظهرت الوطنية في الأفق وظهر اسم الملك محمد الخامس يجللها إطار مكانته المقدسة في القلوب، صار يميل إلى ظلها شيئا فشيئا سرا، وحين اشتدت الأزمة وقدم ابن عرفة ونفي الملك المحبوب أظهر ما في باطنه للاستعمار فأبى أن يوقع ما وقعه الخونة وقد عرف عنه أنه يتأبى من أن ينقاد لما يراد منه ضد الملك فأخر عن منصبه بشرف، وقد نوهت به الجرائد إذ ذاك خصوصا البصائر الجزائرية فكانت له شهرة حسنة” .

د. سعيد عدي باحث في التاريخ

وأضف المتحدث أن “دحمان بن عابدين تعرض للضغط والتهديد بالتنكيل من أجل التوقيع على عريضة تنحية محمد الخامس، وزاره عدد من الضباط الفرنسيين، بقيادة الكولونيل ميشال، وآخرين من بينهم المترجم الجزائري المعروف ب عفيف”.

واسترسل عدي أنه “رغم الاستفزازات ضل دحمان متمسكا بالرفض وهو الموقف الذي جر عليه غضب فرنسا، فعملت سلطاتها على سجنه بمنطقة عوينة إغمان، إذ من تداعيات هذا الحادث أن بدأت في التصاعد موجة من الاضطراب عندما أقفل التجار محلاتهم احتجاجا على ذلك الاعتداء”.

وأردف أن  “دحمان لم يكن يمثل بالنسبة للتجار مجرد قائد فهو سليل أسرة عريقة في قطاع التجارة، كما أن القائد شياهو عمل على تحسين ظروف اعتقال دحمان داخل مجال نفوذه، وتمكن بالاتفاق مع ضابط الشؤون الأهلية بأسا، من إقامة حفل استقبال على شرف دحمان كضيف عند قبيلته أيتوسى وليس كأسير”.

“وثارت بعض عشائر أيتوسى في وجه الفرنسيين”، يورد عدي “معبرة عن رفضها أن تتحول أراضيها إلى سجن للوطنيين، وهذا القائد الذي رفض التوقيع على عريضة تنحية محمد الخامس ومبايعة ابن عرفة، ولما تحول محل اعتقاله إلى مزار للوطنيين خصوصا منهم أفراد من قبيلة أيتوسى، تم فرض الإقامة الجبرية عليه بمنزله بعد سنة قضاها بعوينة إغمان”.

تحد المستعمر

وشدد على أنه “في معترك الاستقلال كان قد التحق وفد ضم أبرز وجهاء الصحراء بالقائد دحمان في منزله بكلميم، متوجها للاحتفال بعيد الجلوس الفضي، وحاول الفرنسيون الضغط على القايد دحمان المرافق لهم للحيلولة دون ذهاب الوفد إلى العاصمة الرباط لملاقاة محمد الخامس، وأبدى دحمان موقف الرفض في تحد واضح لسلطات الاستعمار الفرنسي التي كانت تعيش آخر أيامها بالمنطقة”.

“ورغم المواقف الوطنية الايجابية لدحمان بن عابدين”، يضيف عدي شارحا “إلا أن حدة طبعه وصرامة مواقفه استلزمت توقيفه، حسب ما ذكر صاحب المعسول “ثم بدا للحكومة فأوقفته لخلاف بينه وبين البارزين إذ ذاك في الحكم، لما كان عليه من الأنفة فلا ينقاد ولا يدارى فبقي في داره إلا أن الملك راعى حرمته ومنحه خطا في النقل يدر عليه منه ما يقوم بأودهم””.

الملك محمد الخامس يستقبل دحمان ولد بيروك ويسلمه ظهير تعيينه قائدا على قبائل تكنة

ونبه الباحث في التاريخ المعاصر، سعيد عدي، إلى أنه “عندما رجع دحمان إلى منصبه قائدا على كلميم كان عليه تحمل تجاوزات جيش التحرير، الذي تعمد بعض أفراده استفزازه لاختلافه معهم “وعندما جاء جيش التحرير إليها قدم له العون والمساعدة فتح لهم منزله الذي اتخذته الطليعة الأولى لجيش التحرير مركزا لها، إلا أن جيش التحرير سرعان ما انقلب عليه لمعارضته تصرفات أفراده، وكان شخصا عنيدا لا يقبل الظلم أيا كان مصدره فعامله جيش التحرير بما عامل به القواد الآخرين””.

وأسفر مؤتمر عين الشكاك، المنعقد بعد إعلان استقلال المغرب سنة 1956 ميلادية -والذي حظره ما يقارب خمسة آلاف متطوع من أصول صحراوية، حسب ما نقله عدي “عن إجماع الحاضرين على مواصلة تحرير ما تبقى من الأراضي المغربية على مستوى الجنوب، ضم جيش التحرير حوالي 1200 متطوعا منحدرين من مدن الجنوب المغربي، تحت إشراف شبكة من الخلايا التي كان يديرها كل من ادريس بن بوبكر ومصطفى بن عثمان وناضل الهاشمي وصالح بن عسو، الذين خاضوا معارك ضارية توجت سنة 1958 ميلادية بإرغام القوات الفرنسية على الانسحاب النهائي من كل النقط التي أبقت فيها على قواتها، معلنة عن دخول المغرب في مرحلة البناء الديمقراطي”.

التفاعل مع اغتيال فرحات حشاد

ويحكي لنا عدي أن “التنسيق الذي باشره زعماء الحركة الوطنية على المستوى المغاربي، أثمر توطيد أواصر التضامن بين شعوب الدول المغاربية، والتفاعل مع مختلف القضايا الإقليمية، مثل حادث اغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد”.

على خلفية هذا الحادث، يخبرنا عدي أنه “تم التنسيق بين زعماء الحركة الوطنية والقائد دحمان بن عابدين، الذي توصل بمنشور بُعث إليه لغرض تنظيم مظاهرة شعبية احتجاجا على اغتيال فرحات حشاد في مقتبل دجنبر 1952 ميلادية، فقام بتأسيس خلية ضمت حوالي 15 عضوا خرجوا إلى الشارع مرددين شعارات مناوئة للسياسة الاستعمارية الفرنسية وإقدامها على اغتيال هذا النقابي التونسي كمؤشر على الصحوة السياسية التي دبت في شريان المجتمع بواد نون، وكان رد السلطات آنذاك هو إلقاء القبض على الجميع والزج بهم في السجن ستة أشهر بمعية آخرين ألقي القبض عليهم في مناطق أخرى”.

أول نائب برلماني بكلميم

وأكد عدي على أنه “بُعيد حصوله على الاستقلال، شق المغرب طريقه نحو إقرار أسس الديموقراطية ومبادئ الحريات العامة، وفي هذا السياق جاء تنظيم أول استحقاق لانتخاب نواب البرلمان المغربي في 28 يوليوز سنة 1963 ميلادية بعد إقرار أول دستور شهدته المملكة سنة 1962 ميلادية، إذ انخرطت في العملية مجموعة من الأحزاب السياسية الوطنية التي بدأت تأخذ مكانها ضمن اهتمامات الوادنونيين رغم أن الانتماء القبلي كان الرابطة الأقوى آنذاك”.

بطاقة ترشح دحمان ولد بيروك

وعلى إثر ذلك، يضيف المتحدث “قدم دحمان ترشيحه عن حزب الحركة الشعبية، فيما تقدم حماد الدرهم عن حزب الاتحاد وعبد الله حاجي عن حزب الاستقلال، ومرت العملية الانتخابية في أجواء طبعها التنافس الحاد بين المرشحين الثلاثة، وعرفت أطوارها حضور مندوبي اللجان التنفيذية: المحجوبي أحرضان عن الحركة الشعبية، وكل من القباج وعبد العزيز بن ادريس عن حزب الاستقلال، وأنبأت نتيجة الاقتراع بفوز دحمان، الفوز الذي منحه لقب أول نائب برلماني عن دائرة كلميم”.

الحلقات السابقة

عائلات من الصحراء: أهل الشيخ بيروك.. عائلة بسطت نفوذها التجاري من وادنون إلى السودان

عائلات من الصحراء: أهل العرابي..شبكة وكلاء تجاريين مسلمين ويهود بين الصويرة وتمبكتو

عائلات من الصحراء: أهل بوكَرين.. محافظ صاغ “عقد الخاوة” وأنقذ مدونة زاوية آسا من الضياع 

عائلات من الصحراء: أهل لعريبي.. “خرقت” قاعدة انتماء وامتلكت منازل للكراء بتمبكتو

-عائلات الصحراء: أهل المامي..شاعر ومُـفــتٍ عارض السيـبة

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x