عائلات الصحراء: أهل العبادلة.. أحد منظمي مؤتمر “أُمّ الشّكَّاك” تحضيرا لمبايعة قبائل الصحراء للسلطان محمد الخامس

يسر جريدة “آشكاين” الإلكترونية  أن تضع بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة تاريخية تتقفى أثر العائلات والأسر الصحراوية التي كان لها أثر بليغ في الصحراء المغربية، وذاع اسمها نظير ما بذلته في مجالات مختلفة من الحياة من خلال ركن  “عائلات الصحراء “.

سنتطرق في حلقة اليوم إلى عائلة أهل العبادلة بن الشيخ الأغظف بن الشيخ ماء العينين، والذي عرف بمساهمته الكبيرة في مجالات مختلفة سياسية وجهادية وتنظيرية دفاعا عن وحدة المغرب وقضيته الوطنية، وكان من المشاركين في تنظيم مؤتمر “أُمّ الشّكَّاك”  أحد أهم المؤتمرات التي أفرز في ختامه وفدا من أعيان الصحراء لملاقاة السّلطان محمد الخامس في الرباط وتأكيد بَيعة قبائل الصّحراء له.

الولادة والنشأة

قال المتخصص في التاريخ الراهن، بارك الله سيد أحمد، إن “العبادلة بن الشيخ الأغظف بن الشيخ ماء العينين، ازداد بتاريخ 1926 بتافودارت المتواجدة على ضفاف الساقية الحمراء، والتي تبعد عن مدينة العيون بـ60 كلم”.

وأشار بارك الله إلى أن “العبادلة تربى في مدرسة والده المقاوِم العالِم الشيخ محمد الأغظف، نائب خَليفة السلطان المغربي على الأقاليم الجنوبية، حيث تلقى العلوم ثقافةِ المقاوَمَةِ وحبّ الوطن والتّعلق بشريعة الإسلام، والعلوم الربانية الجهادية الملتزمة بالثوابت المغربية، وعرف قيد حياته بالتواضع وقضاء حاجيات الناس”.

ويروي لنا الباحث عن العبادلة أنه “بعد تكوينه بمدرسة والده أرسله إلى مدينة تطوان العريقة ليتم دراسته بالمعهد الخليفي، قصد توسيع مداركه وتنوع معرفته، وكان من بين من تلقى عنهم العلم في هذا المعهد العلامة الكبير عبدالله كنون والعلامة الشيخ المكي الناصري، الذي كان يدير هذا المعهد، والعلامة والمؤرخ عبد الوهاب بن منصور والعلامة أحمد معنينو، حيث تذوق الفقيد رحيق العلم والمعرفة وتأثر بالفكر السياسي المتأجج الذي كان يتزعمه أنذاك الأمير شكيب أرسلان والأفغاني ومحمد عبده، مما أوقد فيه لهيب الحرية والتطلع إلى النضال والكفاح فصار منظرا ومؤطرا لخلايا حزب الاستقلال بالساقية الحمراء ووادي الذهب”.

تكوين مكاتب سرية لحزب الاستقلال

وتابع أن “العبادلة عاد إلى مسقط رأسه بعد استكمال دراسته وهو متأثر غاية التأثر مما يعاني منه الشعب المغربي من ويلات الاستعمار، وعمل على تكوين مكاتب سرية (حزب الاستقلال)، وذلك بتنسيق مع المجاهد عبد الخالق طريس، كما عمل المجاهد العبادلة على توعية الناس وخلق علاقات بين شمال المملكة وجنوبها من أجل مناهضة الاستعمار”.

حرض على عدم الفرح بالعيد بعد نفي السلطان

وأردف أن “الفقيد العبادلة دافع عن قضية الصحراء بمعية مجموعة من المناضلين عبر المنتديات، منهم حمدي ولد السالك، ولد باعلي، براهيم ولد الحسين حبوها ولد لعبيد، وعبدالله ولد الخطاط سنة 1966 أمام الأمم المتحدة”.

وأبرز أن الفقيد “كان أول الرافضين للتقسيم الذي عرفته البلاد أنذاك، حيث كان وطنيا بكل المقاييس، إذ بعد نفي محمد الخامس تزعم حملة توعية وطنية، وذلك بتحريضهم على عدم الفرح بقدوم العيد وتعبيرهم عن عدم الرضا بما قامت به السلطات الاستعمارية تجاه المغرب”.

مؤتمر “أُمّ الشّكَّاك” تحضيرا لمبايعة قبائل الصحراء للسلطان

وأكد بارك الله  أن “العبادلة كان من بين المناضلين الذين عملوا على تنظيم أَهَمَّ مؤتمر تاريخي في المنطقة؛ مؤتمر “أُمّ الشّكَّاك” سنة 1956″، وهو المؤتمر الذي انْتُدِب في ختامِ أشغاله ضمنَ تَشكيلةِ وفد الأعيان لملاقاة السّلطان محمد الخامس في الرباط وتأكيد بَيعة قبائل الصّحراء له، وحينها انتقل إلى الرباط، عابِراً الحدود من العيون إلى أكادير، في العاصمة؛ حيث كانت له على هامش لقيا الملك؛ جلسة خاصة مع الزعيمين علال الفاسي والمهدي بن بركة، وبُـعَـيْد عيد الفطر؛ التَـقى الوفد الصحراوي رئيسَ الحكومة امبارك البكّاي”.

مهام متعددة ودفاع عن مغربية الصحراء

ولفت الانتباه إلى أن “العبادلة  تولى أيضا مهام فيما يخص جيش التحرير، ومن بينها جمع أبناء المقاومين والذهاب بهم من أجل إكمال دراستهم بشمال المغرب، ومن بينهم تكونت أنوية تطمح إلى تحرير الصحراء من الاستعمار”.

كما شارك العبادلة، يسترسل بارك الله “في عدة مؤتمرات وطنية ودولية للدفاع عن مغربية الأقاليم الجنوبية، والمطالبة برحيل الاستعمار كمؤتمر أم الشكاك ومؤتمر بوخشيبية ومؤتمر الوحدة الإفريقية وهيئة الأمم المتحدة سنة 1966 ميلادية وغيرها، وألقى فيها عدة خطب أكد فيها حقوق المغرب في صحرائه”.

بث الوعي الوطني وسط القبائل الصحراوية

ويرى بارك الله أنه “يمكن اختزال مساهمة العبادلة بن الشيخ محمد الأغظف بن الشيخ ماء العينين في عدة جوانب أبرزها  بث الوعي الوطني التحريري بين مختلف الفئات والقبائل الصحراوية عبر المكاتب الحزبية والخلايا الحزبية” فروع حزب الاستقلال بالأقاليم الجنوبية: العيون والسمارة وبجدور والداخلة، لكويرة، إذ استطاع من خلالها بث الوعي الوطني في النفوس وتكسير القطيعة القسرية التي حاول المستعمر أن يحدثها بين الشمال والجنوب.

دفاعه عن مغربية الصحراء

ومما عرف به العبادلة يستطرد المتحدث “الدفاع عن وحدة المغرب وسيادته بكل الوسائل الممكنة، فبعد عودة محمد الخامس من المنفى وتوقيع وثيقة الاستقلال، وجدت الأقاليم الصحراوية نفسها في وضعية استثنائية، لا تختلف عن حالها زمن الحماية فالتحق الكثير من أبنائها بجيش التحرير لاستكمال استقلال المغرب، وخاضوا عدة معارك ضد القوات الإسبانية، وكان العبادلة في طليعة هذا المجال فناضل داخل جيش التحرير، خاصة في مجال التخطيط والتنظير والتنسيق”.

كفاح تربوي

وخلص إلى أن “العبادلة عرف بالكفاح في المجال التربوي، إذ بعد عودته من تطوان قام بفتح مجموعة من الكتاتيب القرآنية لبث الوعي الديني الصحيح بين الشباب وتحريرهم من ربقة الجهل، وتمكينهم من العلوم العصرية وتربيتهم على حب الوطن”.

وفاته ونعيه

وحسب ما تواتر عن سيرة العبادلة فقد جاءت وفاته بعد رحلة حياتية نافعة للوطن والناس، إذ توفي في العقد الخامس من عمره، يوم الثلاثاء 26 أبريل 1976 إثر حادثة سير تعرض لها في الطريق إلى مدينة تارودانت، بَعْدَ فَراغِه مِن حضور المؤتمر الأوّل للشّبيبة الصحراوية الذي انعقد بمدينة طنجة.

وصفه الرحال علال الفاسي قيد حياته بــ”الأخ الأجَلّ الأبَرّ، الأمثَل الكامِل، الأمجد الشَّريف ذو الحَسَب الـمُنيف”، ونَعاه أخوه ماء العينين ببيتين:

فَيرحَـــــمكَ الإلـــــه عـلى فِــــــــــعَـــــــالٍ *  أَتَاها شخصُكَ الأقْسى رَحـيلُــــهْ

وَعَظّمَ أَجْرَنا فيكَ امْــــــتِــــثَــــــــــــــــــــالًا   * وأَصْلَح فَـــــرْعَــــكَ الأَسْــنَـــا جَــمِيلُهْ